في البدء كان الحب وسيبقى.. فهو الطاقة التي تربطنا بالحياة وتجعلنا نتشبث بها رغم كل شيء، وهو الأمل الذي يحفزنا على العمل والنجاح والعطاء الإنساني بكل صوره.. فالحب هو البطل دائما.
بهذه الكلمات حول ماهية الحب، وتحديدًا الحب الأول تطل علينا صفحات كتاب "الحب" الذي يصحبنا خلاله الكاتب الصحفي "يسري الفخراني" في رحله للغوص بين أمواج المشاعر لنتعلم كيف نحب، وكيف نعيش بالحب؟
كيف نحب؟
يركز الفخراني في كتابه على مساحات ومعاني متعددة للحب، ما بين محاولة تفحيص ذلك المفهوم بنظرة متعمقة، إلى الحالة التي يعيشها المجتمع حاليًا، والتي طغت فيها ثقافة التيك أواي والمحمول والإنترنت.. وخلال تشابكات النمط الجديد للمجتمع تتوارى معاني الحب وملامحه.
ويعرض الكاتب لسؤال فتاة عمرها 25 عاما عن: كيف تحب؟ ولها يقول: "ابحثي عن نفسك في قلوب من حولك.. ابذلي جهدا مضاعفا لتعثري على من يشاركك الحياة.. اذهبي إلى الناس والأصدقاء والزملاء والجيران اكتشفي الحب ومتعة أن تعطي لإنسان آخر".
يطالعنا الكاتب برأيه في الحب قائلا: "إن الله تعالي خلق الحب، وفي البدء كان آدم وكانت حواء وكان الحب، خلق الله الحب ثم تكفل الإنسان بخلق الكره والحقد والغيرة كأخطر صناعه إنسانية أبرزت قيمة الحب، لكنها حطمته وحاربته وأهانته وسخرت منه"، ويتساءل "خلق الله الحب وكرمه فلماذا نخجل من الحب؟".
"أنا أحب.. أنا أعيش"، "أنا أحب.. أنا إنسان"، "أنا أحب.. أنا أستخدم حقي في الحياة"، "أنت تحب.. أنت كما أرادك الله "، "الذين يخجلون من الحب فاشلون في تفسير معني الحياة"، و"الذين يلعنون الحب لم يقرءوا حرفا من كتاب الله.. فالحب رزق يرزقه الله لمن يشاء". في هذه العبارات يلخص الفخراني في الباب الأول من كتابه ما يرى أنه فلسفة الحب.
المتهم البريء
يتطرق الفخراني إلى أن الحب على مر العصور كان متهما، ولا يوجد عاشق هرب من عقوبة الشعور بالحب، كما أن أغلب العاشقين لم يصنعوا لقصص حبهم النهاية التي ظلوا يحلمون بها، حتى جاء عصر الماكينة والكهرباء والذرة والإنترنت، وعصر الحرب عن بعد، وزمن البورصة والفيزا كارت فارتفع الحب من مرتبة التهمة إلى مرتبة الجريمة الكاملة.
ومع ذلك صمد بعض الرومانسيين ورفضوا أن يسقط الحب منهم مهما كان ثمن ذلك الرفض، ولا شك أن كل قصة حب صمدت ونحن نرحل من زمن صعب إلى زمن أصعب هي قصة تستحق الاحترام والخلود والبقاء. وتستحق أن تكتب قصيدة أو تعزف لحنا لا ينسي؛ لأنها هربت من قسوة الحياة وانتصرت في ساحة المعركة.
وحول ماهية الحب، يقول الفخراني: إن هناك تفسيرات عديدة للحب، وعلى الرغم من أن قصص الحب لا تتطابق وإن تشابهت إلا أنها تمنحك جميعها حق اللجوء العاطفي إليها وإعمال التفسيرات التي قد نظن أنها تعبر عن: ما هو الحب؟
ثم يحاول الكاتب الإجابة عن سؤال: ما هو الحب؟ ورغم أنه سؤال صغير إلا أننا نسأله لأنفسنا كثيرا، فيذكر أن تعريفات الحب عديدة، منها أنه القلب حين يدق، وأنه هو الشيء الذي يجتاحنا حين يشعر كل منا بأنه يحتاج الآخر، وحين لا يجد الإنسان بديلا عن هذا النصف الثاني، هو حين يجد رجل وامرأة متعتهما وسعادتهما، وأنه (الحب) يسبق كل شيء، وأي شيء بشرط ألا يكون حبيس الحجرات المغلقة، وإنما يولد وينمو ويكبر في الساحات المفتوحة، وتحت أشعة الشمس وعند البحر وبين الزهور ومصابيح الشوارع.
الحب يعني العلاقات الثابتة لا العلاقات العابرة، ودائمًا ما يكون بمثابة دفعات إلى الأمام لا هبوطا إلى قاع الأرض، يعني أن رجلا وامرأة يستطيعان أن يهزما العالم معا، والظروف واليأس والإحباط وكل غبار العصر، ووفقًا للكاتب فإن الحب مكافأة إلهية للإنسان في ظل صراعه المستمر مع الحياة، ومن لم يعرف الحب لم يعش الحياة.
وعن أصول الحب الحقيقي يقول الفخراني: إن الحب طرفان يمنحان بعضيهما روح الحب ويأخذان من بعضيهما معاني الحب.. ولا يصح في الحب أن نضع من نحب "تحت الفحص" فنحن نحب الشخص الآخر على بعضه، وليس بالقطعة، فالحب الحقيقي هو حالة رضاء تامة من الطرفين عن بعضيهما البعض.
ولا يتوقف الحب في المحطات الإجبارية التي يتوقف فيها الآخرون في علاقاتهم اليومية، فالحب هو قرص المشاعر الذي يذيب الجلطات في شرايين العلاقة الإنسانية دون تدخل.
ومن أصول الحب أيضًا أنك في الحب دائما على حب، فالقلب الذي يحب لا يعرف الكراهية، ولا يعترف بالحقد والحسد والغيرة، كما أن شخصية أي حب عظيم تضحية عظيمة.
الحب الأول.. والمرأة
ثم يحاول الكتاب وضع تصور لمفهوم الحب الأول جين يذكر أن من أصول الحب الحقيقي أن تحترم ذكريات الطرف الآخر، وتصدق حبيبك عندما يقول إنه لم يحب أبدا قبلك، لأن كل حب قائم هو حب أول في حياة كل اثنين.
ويؤكد الكتاب وجود عامل مشترك غالب على قصص الحب الأول، يتمثل في نذالة الحبيب الأول الذي يخطف الحس الأول والحلم الأول ثم لا يسمح لنفسه أن يكون الزوج الأول.
وبنظرة للتجربة من عيون نسائية بحتة يعتبر الكتاب أن الحب الأول عند المرأة أية امرأة هو الحلم الأبيض المملوء بالبراءة والطموح والسذاجة، تبحث داخله عما قرأت عنه في الروايات أو شاهدته في الأفلام، تبحث عن ذلك الرجل الوسيم الشهم القوي الذي يحميها وتستسلم له لأنها بلا خبرات سابقة.
المرأة في حبها الأول وأمامه ومن أجله ممكن أن تضحي بالكثير جدا.. وتتغاضي عن أخطاء كبيرة جدا.. وتدفع الثمن غاليا.. وترى الحياة بعيني من تحب وتسمع بأذنيه كما تنطق بلسانه.
هذه المرأة لا تريد للتجربة الأولى أن تفشل أو تنتهي أو تموت، وتتمنى لو أن هذه التجربة ظلت إلى الأبد، أو ظلت هي الأولى والأخيرة، غير أن الكاتب يرى أن ذلك البقاء يكون في حكم المستحيل الذي لا يتحقق إلا بنسبة واحد إلى مائة.
ويعتبر الفخراني أن الرجل يستغل تمسك المرأة به لأنه أول حظها في الحب ويستثمره أسوأ استغلال، وهكذا حتى تخرج المرأة من رحم الحب الأول، والحبيب الأول لتقع في براثن الحب الثاني سواء هاربة إليه أو حتى بكامل قواها العقلية والعاطفية.
ووقتها تتعامل المرأة مع هذا الحب الجديد بخبرة القديم كامرأة لها ماض، بحب مكسور وقلب مهزوز ومشاعر غير مكتملة، فلا تقبل في حبها الثاني القسمة أو الكسر أو الهزيمة أو أن يقودها قلب آخر، إنها هنا القائد المهم الذي لا يسقط أو يلدغ من نفس الجحر مرتين.
إن كل الحواس تعمل عند المرأة في تجربة الحب الثاني، لتتحرك بكامل طاقتها الأنثوية روحا وجسدا وعقلا، ولهذا تحدث الصدامات العنيفة بين الطرفين، ما بين رجل يريد أن يروض المرأة، وامرأة تريد أن تروض فيه حبها الأول والثاني.
ودليل الرجل الذكي في هذه الأحوال، الحيلة، فلا يتصور أنه سوف يطوي امرأة هو حبها الثاني بهذه السهولة كأنها ورقة في كتاب، ولكن عليه أن يجعلها ترى فيه الفارس الذي لم تلتق به من قبل، وأن ينظف ذاكرتها من نفايات وانتقامات وخبرات الحب الأول.
ودليل المرأة الذكية أن تقتبس من تجربتها الأولى وتتعلم دون أن تصطدم بحبها الجديد.
وفي نهاية كتابه، يؤكد الفخراني أن الحب ليس فقط أن تحب إنسانا في الحياة، لكن أن تحب الحياة ذاتها وأن تعشقها لتعشقك، أن تكتب منها قصة حب ومعها قصة نجاح، بهذه الكلمات ينتقل بنا الكاتب إلى حب من نوع آخر هو: كيف نحب الحياة؟