في جريدة الأهرام يوم الأربعاء 11 فبراير الماضي، شيء غريب جدا ذُكِر ضمن خبر القبض على الشخص الذي قيل إنه سفاح المعادي.
يقول الخبر -بالطبع بعد الديباجات المعتادة التي يتم فيها ذكر أسماء العديد من لواءات الداخلية والذين كان لتوجيهاتهم الفضل في القبض على المجرم- أن مديرية الأمن قامت بتجنيد خمسين فتاة لتسير في الشوارع بملابس مثيرة في محاولة لاجتذاب السفاح!
أكاد لا أصدق عيني وأنا أقرأ الخبر.. خمسون فتاة تسير في الشارع بملابس مثيرة؟ وبأوامر مباشرة من الأمن؟
من المؤكد أن هؤلاء الفتيات لسن متطوعات في الشرطة ويتقاضين مرتبات عن ذلك. بالتأكيد هن عاهرات أتين من عالم قضايا الآداب. ومن المعروف أن ضباط مباحث الآداب -فلنقل الكثير منهم حتى لا نسقط في فخ التعميم- يقومون باستغلال الفتيات اللاتي يتم إمساكهن في هذا النوع من القضايا، وإضافة إلى هذا فإنه يتم تشغيلهن كمخبرات وللإيقاع ببعض الأشخاص المطلوب الإيقاع بهم، وفي غير ذلك من أعمال.
من يخطئ -ومن تخطئ- مرة واحدة في هذا البلد، لا يخرج -ولا تخرج- أبدا من مستنقع الخطأ.
إذا أدين أي شخص بسيط التعليم والمستوى الاجتماعي في قضية من القضايا، وقضى فترة ما في السجن، فإنه يخرج منه ليعمل مخبرا في المباحث -وهو عمل ليس اختياريا في الحقيقة؛ لأن من يرفض يعود فورا إلى السجن- وهذا يقودنا إلى التفكير في مستوى المخبر الذي يقوم بإحضار القضايا، فهو نفسه شخص ليس فوق مستوى الشبهات، وهذا يؤدي للكثير من أعمال التلفيق والدسائس وتدبير المكائد للأشخاص الذين يريد المخبر أن ينتقم منهم. لعلنا نستطيع أن نتخيل كمَّ الرعب الذي يسببه المخبر صاحب السوابق في المناطق الشعبية الفقيرة؛ الكل يعرف أن هذا مخبر والكل يخشى إغضابه أو أن يمتنع عن دفع الإتاوة وإلا راح في خبر كان. والمخبر نفسه يجب أن يقوم بإحضار عدد معين من القضايا كل سنة وإلا تعرض للأذى من الضابط، هذا الضابط هو أيضا مطالب بألا يقل عدد القضايا التي يضبطها في هذا العام عن العام السابق وإلا اعتُبِر مقصرا، ولهذا فإنه يضطر أحيانا إلى تلفيق عدد من القضايا الإضافية التي غالبا ما "يشيلها" بعض الغلابة الجدد الذين يرشحهم المخبر، أو يتحملها مجرمون آخرون محبوسون على ذمة قضايا أخرى، وهو نوع من الجميل يؤدونه للضابط في مقابل خدمة أخرى يحصلون عليها وهي الحصول على نوع من الحماية أثناء الحبس.
المنطق نفسه غريب جدا في الحقيقة، منطق أن عدد القضايا يجب أن يزيد ولا يقل، فكأنه يجب على الجريمة ألا تقل في هذا البلد، رغم أن العالم يقيس معدل الأمان بمدى انخفاض نسبة حدوث الجرائم وليس العكس.
فتيات الآداب اللواتي يسرن في الشوارع الآن بملابس مثيرة بأوامر الداخلية مصيبتهن أعظم. قد يقول قائل إن هؤلاء الفتيات معتادات على الرذيلة وأن هذا شيء عادي بالنسبة إليهن، لكن ألا يمكن أن تكون هناك واحدة منهن كانت مظلومة من البداية لكنها دخلت قسرا في زمرة العاهرات اللاتي يعملن مع الأمن؟ ألا يمكن أن تكون هناك واحدة ترغب في التوبة لكن الضابط ما زال مصرا على أن تظل عاهرة لنهاية العمر؟ ثم ألا يعدُّ تسيير خمسين فتاة بملابس مثيرة في الشوارع المصرية نوعا من التحريض على الرذيلة؟
شيء محزن.. شيء مؤلم.. شيء مقزز..