|
صورة للمسجد الأقصى ليلا |
أ.د/ يحيى وزيرى
مدير عام المجلس الاسلامي العالمي للدعوة والاغاثة
(هذه الدراسة جزء من بحث مطول فاز بجائزة وزارة اللأوقاف الكويتية لعام 2007م)
ان الهدف من هذه الدراسة هو استخدام الأدلة المادية المتمثلة فى المعمار والآثار، والتى لايمكن التشكيك في مصداقيتها، لاثبات الهوية الاسلامية للمسجد الأقصى عن طريق القيام بعمل دراسة تحليلية لأسلوب توجيه أسوار الحرم القدسى، والتى تمثل الأبعاد المحددة للمسجد الأقصى المبارك، حتى يمكن اكتشاف الى أى الجهات يتجه المسقط الأفقى للمسجد الأقصى، مع عمل مقارنة لتوجيه الهيكل المزعوم اعتمادا على بعض النصوص الواردة فى التوراة، التى أوضحت الى أى الجهات الجغرافية يتجه هذا البناء المزعوم.
كما سيتم توضيح أوجه التشابه بين شكل ونسب المسجد الأقصى ثانى مسجد وضع فى الأرض وبين الكعبة المشرفة أول بيت وضع للناس.
أولا: مفهوم وحدود المسجد الأقصى:
يقع مسجد الأقصى المبارك فى مدينة القدس أهم مدن فلسطين وعاصمتها المقدسة منذ القدم، وتعتبر من أهم عواصم ومدن العالم الإسلامي، والقدس القديمة هي تلك الموجودة داخل السور الذي أقامه وجدده سليمان القانوني، وتحيط بها الأودية والمرتفعات من جميع الجهات.
وتقع المدينة المقدسة على خط عرض 31.52 درجة شمالا وعلى خط طول 35.13 درجة شرقي جرينتش، وأقيمت على أربعة جبال هي: جبل موريا (ومعناه المختار) القائم عليه المسجد الأقصى (الحرم القدسي الشريف) في جنوب شرق المدينة، وجبل صهيون ويعرف بجبل النبي داود وهو يشكل الجزء الجنوبي الغربي من جبال بيت المقدس الأربعة، وجبل أكرا حيث توجد كنيسة القيامة، وجبل بزيتا ويقع بالقرب من باب الساهرة.
أما المسجد الأقصى وساحاته الخارجية المحاطة بالسور الحجري في الطرف الجنوبي فيقع شرق مدينة القدس القديمة، وهو مشيد على جبل "موريا" ويشغل تقريبا مساحة 150 دونما (الدونما تساوى 1000م2)، ويحيط به سور حجري طول الجهة الغربية منه 490 مترا والشرقية 474 مترا والشمالية 321 مترا والجنوبية 283 مترا، شكل (1).
لقد وجدنا أنه من اللازم أولا أن نقوم بتوضيح ماهو مفهوم وحدود المسجد الأقصى من الناحية الشرعية، لأنه يحدث خلط ولبس كبير بخصوص هذا الشأن، حيث يعتقد الكثيرون أن المسجد الأقصى هو فقط الجامع المبني جنوبي قبة الصخرة ، وهو الذي تقام فيه الصلوات الخمس الآن.
شكل (1-أ): منظر عام للمسجد الأقصى المبارك.
شكل (1- ب): مقاسات أسوار المسجد الأقصى التى تحدد الحرم الشريف (من عمل المؤلف). فحقيقة الحال أن المسجد الأقصى اسم لجميع المسجد وهو ما دار عليه السور وفيه الأبواب والساحات الواسعة، والجامع وقبة الصخرة والمصلى المرواني والأروقة والقباب والمصاطب وأسبلة الماء وغيرها من المعالم، وعلى أسواره المآذن، والمسجد كله غير مسقف سوى بناء قبة الصخرة والمصلى الجامع الذي يُعرف عند العامة بالمسجد الأقصى وما تبقى فهو في منزلة ساحة المسجد، وهذا ما اتفق عليه العلماء والمؤرخون، وعليه تكون مضاعفة ثواب الصلاة في أي جزء مما دار عليه السور.
فالمسجد الأقصى المبارك الوارد ذكره في كتاب الله الكريم في الآية الأولى من سورة الاسراء، هو البقعة المباركة الذي يطلق عليها الآن الحرم القدسي المحاطة بالسور العظيم ومابنى فوقها، وحكم السور حكم المسجد المحاط به وهو منه، لما اتفق عليه الفقهاء من أن جدار المسجد من المسجد، ذلك هو المسجد الأقصى الشرعي.
وعلى ذلك فان المسجد الأقصى (الشرعي) والحرم الشريف هما مسميان لمكان واحد، وتم إطلاق مسمى الحرم الشريف في العصور المتأخرة.
ثانيا: التوجيه الجغرافى للمسجد الأقصى الشرعى (الحرم القدسى):
1- علاقة توجيه الحرم القدسى بمكة المكرمة (القبلة):
يعتبر التوجيه الجغرافى orintation هو أحد أهم الخصائص التى تحدد هوية أى مبنى، وبخاصة اذا كان هذا المبنى يؤدى وظيفة دينية، وكما هو معروف فان أهم محدد تصميمى للمسجد هو أن يتجه حائط القبلة فيه الى مكة المكرمة، تصديقا لقول الله سبحانه وتعالى: "وحيث ماكنتم فولوا وجوهكم شطره" (البقرة: من الآية 144)، أى شطر المسجد الحرام بمكة المكرمة.
وقد ورد فى الحديث النبوى مايوضح أن المسجد الأقصى هو ثانى مسجد وضع فى الأرض بعد المسجد الحرام، وذلك لما ورد في الصحيحين عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: "قلت يا رسول الله أي مسجد وضع فى الأرض أول قال: المسجد الحرام، قال: قلت ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم كان بينهما ؟ قال: أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصل فان الفضل فيه".
ان الحديث النبوى السابق يقرر بوضوح أن المسجد الأقصى قد وضع فى الأرض بعد المسجد الحرام، وهذا يعنى أن قبلة المسجد الأقصى لابد وأن تكون موجهة الى مكة المكرمة حيث الكعبة المشرفة والمسجد الحرام، منذ قديم الزمان قبل بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ولاثبات صحة هذه الفرضية قام المؤلف بالاستعانة ببرنامج "جوجل ايرث" Google earth الذى يستخدم الأقمار الصناعية، وتم أخذ صورة جوية مع اسقاط خطوط الطول والعرض عليها توضح التوجيه الحالى للمسجد الأقصى (الحرم الشريف)، حتى يتم معرفة الجهة التى يتوجه اليها السور الجنوبى للحرم الشريف، والذى يمثل أيضا حائط قبلة المسجد القبلى (المغطى)، شكل (2).
فاذا عرفنا أن اتجاه القبلة (مكة المكرمة) فى القدس مقاسا من اتجاه الشمال- الجنوب الحقيقى ينحرف 23.79 درجة الى الشرق، فان الصورة الجوية أوضحت أن المحور الرئيسى للمسجد الأقصى القبلى (وكذلك الحرم القدسى ككل)، ينحرف حوالى 11.81 درجة عن اتجاه القبلة الحقيقى، شكل (3).