|
اختراع الطائرات اعتمد على تقليد الطيور |
إعداد المهندس عبد الدائم الكحيل
مهندس ميكانيك وكاتب إسلامي
"محاكاة الطبيعة" تفتح آفاقاً تقنية جديدة
الطبيعة هي المعلم الأول للإنسان، ومعظم الاختراعات هي في أصلها تقليداً لها. واليوم يعود العلماء لاستلهامها في ابتكاراتهم بعد عقود من العزوف عنها. فما تقدمه الطبيعة من طرق وحلول يمكن استثماره لتحسين المخترعات الحالية.
فقد تعوّد الإنسان على استلهام اختراعاته من الطبيعة. فالملابس مثلا بدأت باتخاذ جلود الحيوانات وفروها نموذجاً لها حتى تطورت لتصل إلى صورتها الحالية. وربما نسي الإنسان ما تعلمه من الطبيعة وأصبح يعتمد على الاختراعات في صورتها الحالية، إلا أن الباحثين عادوا في الآونة الأخيرة إلى الاهتمام بالطبيعة، إذ وجدوا فيها قدرات قد تفيدهم كثيراً في ابتكار تقنيات حديثة. والـ "بيوميميتيك biomimetic" أو علم "محاكاة الطبيعة" أصبح في بؤرة اهتمام عدد كبير من العلماء اليوم، حيث يسعون من خلال هذه التقنية إلى فهم التركيبات الطبيعية لاستخدامها في تطبيقات مفيدة.
ندوة في ألمانيا حول تقليد الطبيعة
أقيمت مؤخراً ندوة في مركز أبحاث النسيج في مدينة دينكندورف في منطقة جنوب ألمانيا حول البيوميتيك وتطبيقاتها الممكنة. وأشهر تطبيقات هذه التقنية هو شريط اللصق (المعروف بفيلكرو Velcro) والذي يستخدم على سبيل المثال في صناعة الأحذية. فكرة هذا الاختراع البسيط استغرقت من العالم السويسري جورج دي ميسترال ثماني سنوات حتى تمكن من تطبيقها. فكثيراً ما شاهد بذور النباتات الشائكة وهي تلتصق بفرو الكلاب أو بألياف بعض الملابس بمجرد سقوطها من الشجر على السائرين أسفلها. وبعد فترة من التأمل استطاع العالم أن يحول هذه الظاهرة إلى تطبيق علمي نستخدمه في حياتنا اليومية. وقد سهلت هذه الشرائط ذاتية اللصق، التي يمكن لصقها وفكها بسهولة وبسرعة الكثير من الأعمال.
لكن فهم ما طورته وحسنته الطبيعة (تصحيح: إن الله تعالى هو الذي خلق وطور هذه الكائنات من حولنا) خلال ملايين السنين ليس بالأمر السهل كما يؤكد البروفسور توماس شبيك، مدير حديقة النباتات بجامعة فرايبورج والمتحدث عن شبكة المختصين في تقنية "بيوميمتيك" أو محاكاة الطبيعة. ويضيف: إن "البيوميميتك ليس نقلاً كربونياً عن الطبيعة، ولكنه ابتكار جديد مستوحى من أمثلة طبيعية، فهو يمر بعدة مراحل قبل أن يصل إلى المنتج النهائي."
لكل نبات مميزاته التي يمكن التعلم منها تقوم الطبيعة بتطوير ابتكاراتها بطريقة لعبة "الليغو" التي يمارسها الأطفال. عدد قليل من المواد الأولية ينتج عدداً هائلاً من المركبات. بياض البيض مثلاً مكون من عدد قليل من الجزيئات، 20 حمض أميني على وجه التقريب، ولكن يَنتج عبر تنويعاتها المختلفة عدداً ضخماً من المواد. المنسوجات تُصنع بصورة مشابهة: فالخيوط تصنع من الألياف، ومن الخيوط تنتج الأقمشة. وبمشاهدة الطبيعة يجد الإنسان أن الأمر لا يتوقف على سيقان النبات المكونة من الألياف، إذ أن العظام أيضا مكونة من الألياف، وتحليل هذه التركيبات الطبيعية للمواد المختلفة، ثم نقلها وتحويلها لتقنية جديدة يفتح مجالاً كبيراً من التطبيقات.
محاكاة الطبيعة في نقل المياه
يمكن توظيف البيوميميتيك لتوفير استهلاك المياه: في الوقت الحالي يتعلم الباحثون من الطبيعة كيف تصلح نفسها، كما هو الحال عندما يقطع الشخص إصبعه خطأ أو ينكسر عود النبات. وهو ما أمكن تقليده في المعمل، فأمكن إصلاح ثقوب في أنسجة تصل إلى 5 ملليمترات باستخدام الوسيلة نفسها التي تستخدمها الطبيعة. ويمكن القول إن تقنيات البيوميمتك لن تبدل التقنية المتعارف عليها حالياً، لكنها ستكملها، وستفتح مجالات جديدة تماماً. فقد يمكن نقل السوائل إلى أعلى بلا مضخات على مثال نبات الليانا المتسلق الذي ينقل المياه حتى مسافة 1 كيلومتر.
قد يساعد تطبيق هذه التقنية في الزراعة على الاقتصاد في المياه المطلوبة ومنع تبديد كميات هائلة منها. وهو ما يؤكده الدكتور توماس شتيجماير من معهد دينكندورف قائلاً: "من الابتكارات المدهشة أنظمة نقل المياه. وهي تمثل تحدياً تقنياً كبيراً، أن نحول هذه الأنظمة القادرة على نقل المياه على ارتفاع 10 متر حتى الآن إلى أنظمة قادرة على نقل المياه على ارتفاع يصل إلى مئة متر، على مثال الطبيعة". هذه الأنظمة ستقلل تبديد المياه وتوفر الطاقة المستخدمة في المضخات.
الله خالق كل شيء!
من خلال هذه الدراسات وغيرها يمكن أن نؤكد أن الإنسان يأخذ اختراعاته من الطبيعة، وأهم مثال على ذلك الطائرة، فلولا وجود الطيور ربما لم يفكر الإنسان بالطيران أصلاً، ولولا وجود قوانين فيزيائية سخرها الله لم يتمكن الإنسان من استغلال طاقة الهواء لحمل الطائرة، إذاً كل ما نراه من حولنا مسخَّر لخدمتنا، ولذلك يقول تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الجاثية: 13]. فهل نتفكر في هذه المعجزات العظيمة؟!
ولو تأملنا الآية الكريمة (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) [الرعد: 16]، نرى فيها إشارة إلى أن كل ما نراه من حولنا هو مخلوق من مخلوقات الله، حتى الطائرة مثلاً هي مخلوق من مخلوقات الله، فالمادة الأولية التي صُنعت منها الطائرة خلقها الله بلا شك، والوقود الذي يسير الطائرة هو من صنع الله، والهواء الذي يحمل الطائرة من صنع الله الذي أتقن كل شيء، وحتى تصميم الطائرة أخذه الإنسان من الطيور وهي مخلوقات في الطبيعة من صنع الله عز وجل، وحتى الإنسان الذي يقود الطائرة هو من صنع الله، إذاً مَن الذي خلق الطائرة الله أم الإنسان؟!
وهنا يتجلى قول الحق تبارك وتعالى: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [النحل: 8]. فالخيل والبغال وغيرها لا يشك أحد أنها من صنع الله، وقوله تعالى: (وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) يدل على أن الله هو الذي خلق كل شيء لأن الإنسان حتى هذه اللحظة لم يتمكن من خلق ذرة من العدم!
والآن أترككم مع روائع التصميم الإلهي في الطبيعة لنرى دقة وجمال صنع الله في مخلوقاته:
|
صورة لزهرة يظهر من خلالها التداخل الرائع للألوان، إن كل اللوحات التي رسمها الإنسان، وكل الأشكال التي اخترعها هي في الأصل مستوحاة من الطبيعة. يقول عز من قائل: (وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) [النحل: 13]. |
|
نجمة البحر، انظروا إلى التصميم المحكم لها، وكيف تتناسق الألوان فلا نشعر بأي تناقض أو تشويه، بل نجد اللون الأحمر والأصفر والبرتقالي وحتى الأخضر الداكن من حولها كل ذلك في تناسق بديع يشهد بأن الخالق هو الله وليس الطبيعة الصماء كما يعتقدون! |
|
ربما لا تصدقوا أن هذا الشكل السداسي الرائع هو جزيئة ثلج!!! هكذا تتوضع جزيئات الثلج بنظام بديع ولو درسنا نتف الثلج نلاحظ أنها تأخذ أشكالاً هندسية رائعة... من أين جاء هذا التصميم؟ ألا يشهد بأن هناك صانعاً مدبراً حكيماً عليماً؟ يقول تعالى: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [البقرة: 117]. |