عربة السيدات في المترو
على أحد المقاعد تجلس سيدة في الأربعينيات تتحدث في التليفون بصوت مرتفع نسبيا:
- يعني إيه يتجوز عليّ؟ هو مفكر نفسه شباب لسه؟ ده خلاص حسن الختام.. لا ماتخافيش مش هاسيب حقي.. ورحمة ماما ما هاسيب حقي.. سلام هاكلمك لما أشتري الساطور!
تغلق التليفون ثم تنظر إلى وجه زميلاتها في العربة قبل أن تنفجر فجأة بالبكاء بصوت مرتفع، تقترب منها إحدى السيدات الكبيرات في السن تربت على كتفيها وتسألها:
- مالك يا حبيبتي.. ما كنت بتتكلمي من شوية في قوة وشر ريا وسكينة!
- مش قادرة يا نينة.. أنا باعمل كده بس قدام الناس.. بس نفسي صعبانة عليّ خالص.. ومش عارفة أعمل إيه
تقترب منهما سيدة في العشرينيات تحمل حقيبة جلدية وتضع روب المحاماة على كتفيها تقول لها في صوت مرتفع:
- ارفعي رأسك يا أختي.. خلاص زمن البكا انتهى.. القانون من بكرة هيبقى في صفك.. وممكن أطلقك منه في ثواني وكمان تنضفيه من كل مليم معاه لو عاوزة.. ويبقى يورينا بقى هيعمل فيها سبع البرومبة ويتجوز اتنين إزاي ومنين؟
تتدخل في الحوار سيدة في الثلاثينيات:
- مش عارفة أنتم محموقين كده ليه.. مش ده شرع ربنا.. هو يعني الراجل كفر؟ مش الدين بيسمح له يتجوز اتنين وتلاتة وأربعة.. ولا دي كمان حاجات هنلعب فيها؟!
المحامية:
- ما هو التفكير بتاعكم ده هو اللي مضيعنا، أراهن أن الأخت خايفة قطر الجواز يفوتها ونفسها تتجوز أي راجل إن شالله تكون الزوجة الرابعة..يعني حتى ماحصلتيش الزوجة التانية زي سعاد حسني!
يتوقف المترو في المحطة المخصصة له، وقبل أن ينغلق الباب بلحظات يدخل إلى العربة بطريق الخطأ رجل ثم ينغلق الباب خلفه، ينظر إلى الراكبات ويدير ظهره لهم معتذرا:
- آسف يا جماعة هاغير العربية المحطة الجاية؟
تنظر له المحامية في شراسة وهي تقول:
- تلاقيك متجوز اتنين.. ماهو لو كنت مركز ماكنتش عملت في نفسك كده!
***
الكلام ده جد فعلا
لأ مش قصة عربة السيدات في المترو -وإن كان وارد حدوثها-
وإنما الكلام حول قانون يقيد تعدد الزوجات في مصر
أولا لك أن تعرف أن قانون الأحوال الشخصية الذي ينظم أمور الزواج في مصر هو قانون صدر منذ عام 1920
ولك أن تعرف ثانيا أن وزارة العدل تناقش مشروعا يجري تعديلات على هذا القانون
تعديلات ستقنن تعدد الزوجات
أو على الأقل ستجعله يتم بضوابط
فمثلا يصبح من حق الزوجة التي مر على زواجها 15 عاما ولم تنجب أن يوفر لها زوجها شقة خاصة لها إن أراد تطليقها للزواج من أخرى
كما يناقش المشروع إمكانية وضع بند في عقد القران يشترط حصول الزوج على إذن من المحكمة إن أراد الزواج من أخرى، أو بند آخر يوقع عليه الزوج يقر فيه بأنه لن يتزوج مرة ثانية مطلقا على زوجته
وكما هو متوقع تسبب مشروع القانون ده في موجة جدل كبيرة
وكالعادة هناك فريقان
الأول.. يؤيد منع أو تقنين تعدد الزوجات ومنهم علماء في الأزهر مثل الدكتور أحمد عبد الرحيم السايح الأستاذ بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر الذي قال لجريدة الشرق الأوسط، إنه لا يوجد ما يسمى بتعدد الزوجات في الشريعة الإسلامية أصلا، إنما التعدد الذي أباحته شريعة الإسلام هو تعدد في أمهات اليتامى فقط، مستدلا على ذلك بقول الله تعالى «وإنْ خِفْتُم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع» قائلا بأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ طبق ذلك في زواجه، حيث لم يتزوج بكرا غير السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ وباقي نسائه كُنَّ إما أرامل، أو أمهات يتامى وبالتالي، فإن تعدد الزوجات ليس مطلوبا في الإسلام بنص آيات القرآن الكريم على حد اجتهاده
الفريق الأول يستشهد بأن عقود زواج بنات العائلات الكبيرة في مصر في بدايات القرن العشرين كان فيها بنود كثيرة تضع شروطا فيما يخص الأثاث والسكن وحتى تعدد الزوجات
بل إن هذا الفريق يعود إلى وثيقة زواج موجودة في متحف رشيد وفيها سرد للشروط التي وضعها أهل "زبيدة" على الجنرال "مينو" وفيها اشتراط بعدم الزواج من غيرها، مما يعني أن القانون الجديد هو عودة إلى حقيقة غائبة فقط لا أكثر ولا أقل، خاصة وأن وضع الشروط في عقود الزواج لا يخالف الإسلام في شيء.
لكن الفريق الثاني.. يتزعمه أيضا علماء من الأزهر ومنهم د.عبد الحكم الصعيدي الذي يرى أن الإسلام جاء لترشيد تعدد الزوجات الذي كان مفتوحا دون تقييد في الجاهلية وأن الإسلام أباح للرجل الزواج من أربع سيدات، بدليل قول الله تعالى «فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع» مؤكدا- في تصريحات مماثلة للشرق الأوسط- أن التعدد مرتبط بظروف اجتماعية محددة وبالتالي فإن المطالبة بسن تشريع لمنع تعدد الزوجات وقَصْره على واحدة، بحجة أن في ذلك اجتهادا يتنافى مع الشرع الإسلامي، لأن القاعدة تؤكد أنه لا اجتهاد مع النص.
الموضوع كبير فعلا
ويستحق النقاش
والسؤال الذي ننتظر إجابته منك
هل تؤيد صدور قانون يمنع أو يضع ضوابط على تعدد الزوجات
أم ترى أن ذلك لا يجوز ولابد أن يظل تعدد الزوجات حتى أربعة مباحا دون شروط؟