أيها الشقي ..
منذ افترقنا ,
تساقطت أوراق الأشجار
ثلاث مرات ..
وانعقدت أزهار الربيع
ثلاث دورات ..
وهاجرت الطيور البرية
ثلاث هجرات ..
وتحت المطر الشرس ,
أرى صورتك
المغسولة على طول ثلاثة شتاءات !
ووداعنا المنقوش على أبواب ثلاث قارات !
ها هو جسدك ينحسر عن زمني
راحلا داخل ظله
وصوتك الكئيب كصوت ناقوس صدئ
يخلف صداه
فقاعات داخل دورتي الدموية
والدوامة المسعورة بتياراتها الملونة
قد هدأت تماما
والآن يتضح وجهك ..
الآن , وقد تمت دورة الفراق
أستطيع أن أحبك حقا
لأنه صار بوسعي أن أراك بوضوح ,
بعد أن أنجزنا معا قاموس الألم ومعجم الخطايا
وابتعدت تماما عن مرمى النظر
الآن أستطيع أن أحصي جراح روحك
وآمالك , وخيباتك , وفضائلك
بعد أن نسيت أصابعي
عدد مسام جلدك ! .
وانتهى زمن الشجار
زمن الغيرة الصغيرة , والغضب ,
وارتجاف الركب
لم يبق غير الحب ..
ما دمنا قد افترقنا
لم يبق غير الحب
يا حرية افريقية مغروسة حتى العظم
في جسد ذاكرتي ..
الآن فقط ,
صار بوسعي أن أحبك حقا
لأنه صار بوسعي أن أحدق فيك جيدا
بعيدا عن الثرثرة ـ فالثرثرة منفى الحب ـ
بعيدا عن أبخرة الغيرة الحمقاء
والتملك الوضيع ..
وألتقيك ,
وأحبك ,
وأودعك ,
في لحظة واحدة , كثيفة , مرهفة
تخترق فيها حواسي
عبر الدهاليز السرية للذاكرة ..
( تراك تفكر بي في هذه اللحظة وتقول :
هجرتني الغادرة ؟ ) ..
كان علي أن أهجرك لألتقيك
صخبك كان يشوش حواسي
وجسدك يخدرني ,
واللقاء كان زوبعة ألعاب نارية ,
داخل رأسي
وكان لا مفر من الفراق الجميل
كي ينتابني هذا الاحساس الجميل
لقد أحبببتك ! .