اسحقوا العار

موضوع: اسحقوا العار 29/10/2009, 04:01

فرانسوا ماري أرويه وهذا هو الاسم الحقيقي لفولتير الشهير
فيلسفوف ومفكر وروائي واعظم شاعر انجبته فرنسا على مر الازمان والعصور .
ولد عام 1694 م لاب امتهن المحاماة والقضاء وعمل ككاتب عدل وام تنتمي للطبقة الارستقراطية ماتت امه في اليوم الذي ابصرت عينا الطفل النور ومن هذه الولادة الصعبة والمخاض العسير جاء اعظم شخصية عرفها العالم في القرن الثامن عشر ...ان الاطلاع على النتاج الادبي والفلسفي الكبيرين لهذا الرجل لهو حري بالقراءة وبالمطالعة...وحين نطالع هذا الارث الفكري الخالد والكبير لشخصية فذة مثل فولتير يجد المرء نفسه امام شمس ساطعة في عالم موحش سادت فيه عتمة ظلام دامس استمرت لقرون عدة , ظلمة تتكرر في اماكن وازمان اخرى وتتخذ المسار ذاته , وبالتالي يسقط الانسان ضحية لهذا الفكر الظلامي وينساق وراء مقاصد انانية ضيقة وغايات اقل ما يقال عنها بانها استخفاف بعقلية الانسان وانحدار خطير نحو مهاوي الشرك والرذيلة ... فينساق من ينساق وراء ذلك الفكر المتخلف فيحدث مالا تحمد عقباه...ان حياة هذا الرجل الاسطورة والتي استمرت قرابة اربع وثمانين عاما مليئة بالجد والهزل والسخرية اللاذعة والنقد المرير لكل ما هو متخلف وفاسد وعقيم ... اعلم ان تناول شخصية هذا الرجل لهي مجازفة كبرى وعمل مضنٍ يفوق الوصف... فهو ذلك الرجل الذي ينظم الشعر بذات السهولة التي يكتب بها اسمه...رجل له القدرة على اسقاط معارضيه بجرة قلم واحدة ...رجل له مئة مؤلف تناول فيها
مواضيع مختلفة توزعت على الفلسفة والادب الروائي والشعر وعلم الاجتماع والتاريخ... يكتب باختصار بليغ فيعطي الصورة ابعادها كاملة بلا تكلف او عناء .. رجل خصب الفكر متيقض عاصر وزامل علماء في الرياضيات والفلسفة وعلماء الطبيعة وملوك وقياصرة مثل لامبرت ونيوتن وجون لوك مثلما دخل الباستيل حبيسا لمرات عدة ... واعجب به ملوك وقياصرة وامراء اوربا كلها فوصفته الملكة الروسية كاترين باله الحب وكتب له فردريك الكبير ملك بروسيا رسالة تنم عن مكانته المرموقة في نفس الملك الكبير نقتبس منها:
"ما جاء كاتب ابدا بمثل حصافتك وذكائك وذوقك وبلاغتك. انك لساحر الحديث ,وتعرف كيف تدخل المتعة الى قلوب الناس وكيف تعلمهم في آن واحد, انك اعظم مغرٍ عرفته اطلاقا,وقادر على اثارة حب الناس لك اذا اردت ولديك من نعمة العقل ما يمكنك من الاساءة لمن يعرفونك مع ضمان تسامحهم معك .وباختصار فانت كامل لو لم تكن انسان ".
ورغم ان فولتير كاتب من طراز فريد الا ان الشيء الذي يشد القاريء اليه ويسلب لبه امام سحره المنبثق واسلوبه الجاد والعنيف الذي بداه في سلسلة مقالات هزت كل فرنسا في سبعينات القرن الثامن عشر والتي كانت تحت شعار " اسحقوا العار " والتي اودت في النهاية بسقوط الملك لويس السادس عشر ومعه سجن الباستيل
هذه المقالات التي تنم عن المسؤولية الاخلاقية العالية التي كان يتحلى بها رجل حصيف حارب بالقلم والفكر الثاقب والكلمة الحرة ذلك التزمت والانغلاق الديني القذر الذي اتصف به رجال حسبوا ظلما على الدين وما هم الا اقزاما حالمين بالثروة والمال والمصالح الضيقة والانانية على حساب بؤس الناس وشقائهم .
لقد هال فولتير ذلك الصراع الديني المحتدم بين الكاثوليك اصحاب النفوذ والسطوة وبين البروتستانت الاقلية المضطهدة في مدينة طولوز الفرنسية فوجد ان من العار ان يهبط الناس بالافكار والقيم الدينية الى هذا المستوى من الانحدار والسفالة ... انحدار يبيح الدماء التي حرمها الله والنفس التي كرمها ... وهناوهنا فقط يحدث التحول الكبير في حياة هذا القديس الثائر و الفيلسوف الحصيف فيتحول من اسلوبه الساخر .. من اسلوب الهزل الى الجد فوجد ان السكوت على الكفر اكثر كفرا وعندما ابدى المفكر والعالم الكبير دالمبرت اشمئزازه من الدولة والكنيسة والشعب وكتب بانه سيسخر من كل شيء اجابه فولتير قائلا:
" ليس هذا وقت التهكم والسخرية ان الفطنة والسخرية والتهكم لا يتفقان مع المجازر والقتل ... هل هذه البلاد موطن الفلسفة والسعادة ؟ كلا, انها بلاد المجازر والقتل " لقد اثاره هذا الظلم والطغيان فتوجه بافكاره وفلسفته الى الشعب لتتحول تلك الافكار الساطعة الى قوة دافعة لا ترحم وغادرت الابتسامة وجهه فوصف ذلك بالقول:
" كل ابتسامة افلتت مني رغم ارادتي في ذلك الوقت كانت تثير في نفسي التبكيت وكأنها جريمة ارتكبتها "
ان فولتير بعقله الراجح وفطنته وسمو فكره الثاقب كان يميز ويرى بوضوح لا غبار عليه الفرق بين الخرافات التافهة والدين كعقيدة حياة متطورة تسعى لتحرير الانسان ووضعه في مكانه المناسب ...

ورغم ان حياة هذا الرجل كانت عاصفة منذ سني عمره المبكر حتى اخر يوم في حياته الا انها ستبقى احد العلامات المشرقة لا في تاريخ فرنسا فحسب بل في تاريخ الانسانية جمعاء ..
توفي فولتير في الثلاثين من شهر مايو لسنة 1778 م ...
واليوم يرقد ذلك الجسد الناحل في مقبرة عظماء الامة بعد ان تم نقل جثمانه عام 1791 بقرار من الجمعية الوطنية الفرنسية اليها.
فقد قام بحراسة الجثمان خلال عملية النقل طابور يتكون من مائة الف شخص من الرجال والنساء بينما اصطف على جانبي الطريق زهاء ستمائة الف من مواطني فرنسا وكتب على العربة التي حملت جثمانه الكلمات
" لقد اعطى فولتير العقل قوة دافعة عظيمة وأعدنا وهيأنا للحرية "وكتب على قبره ثلاث كلمات :

" هنا يرقد فولتير "