WWW.DODY.MSNYOU.COM

احنا منتدياااااااااات دودي احلي شباب وبنات مصر كلها
يلا اكتب اسمك والباسورد ومضعيش وقت

WWW.DODY.MSNYOU.COM

احنا منتدياااااااااات دودي احلي شباب وبنات مصر كلها
يلا اكتب اسمك والباسورد ومضعيش وقت

WWW.DODY.MSNYOU.COM
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

WWW.DODY.MSNYOU.COM

الصداقة هي الحب ولكن بلا أجنحة!

 
الرئيسيةالبوابةالتسجيلأحدث الصوردخول

 

 التاريخ ببساطة(شامل)

اذهب الى الأسفل 
+2
سندرا
mido real love
6 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
mido real love
عضو في الادارة ومشرف مميز لمنتدى الافـــــــــــلام واهلاوى متعــــــــــصب جداااا
عضو في الادارة ومشرف مميز لمنتدى الافـــــــــــلام واهلاوى متعــــــــــصب جداااا
mido real love


ذكر
عدد الرسائل : 19575
تاريخ الميلاد : 25/09/1989
العمر : 35
الحالة : LoNlEy4EvEr
Loisirs : you always steel in my heart
نشاط العضو :
التاريخ ببساطة(شامل) Left_bar_bleue70 / 10070 / 100التاريخ ببساطة(شامل) Right_bar_bleue

تاريخ التسجيل : 25/07/2009

التاريخ ببساطة(شامل) Empty
مُساهمةموضوع: التاريخ ببساطة(شامل)   التاريخ ببساطة(شامل) I_icon_minitime12/12/2009, 16:26

التاريخ ببساطة
( فتــح مـــصــر)

دوافع فتح مصر

1- الدافع الديني:
يتمثل هذا الدافع في رغبة المسلمين في الاضطلاع بأعباء الدعوة الإسلامية
العالمية، وضرورة أداء أمانة تبليغها إلى العالمين لإبراء الذمة أمام الله
عز وجل، وقد سبق للمسلمين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم دعوة المقوقس
إلى الإسلام سلميا، فقد أرسل له النبي صلَّى الله عليه وسلم الصحابي
الجليل حاطب بن أبي بلتعة، وكذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه أرسل إليه
حاطبًا مرة أخرى، وفي عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرسل إليه كعب بن
عدي بن حنظلة التنوخي، فما كان من المقوقس إلا أن اكتفي بالرد الحسن.ولما
كانت مصر خاضعة للإمبراطورية البيزنطية كان من الضروري مواجهة جند هذه
الإمبراطورية على أرض مصر؛ ذلك أنهم يحولون بين المصريين وبين الدخول في
الإسلام.
2- الدافع العسكري:
كان هذا الفتح طبيعيا لأن مصر هي الامتداد الطبيعي الجنوبي لفلسطين، كما
أن فتح ما فُتِحَ من مدن فلسطينية قد أجهد البيزنطيين، ولابد من ضربة
قاصمة لوجودهم في هذه الأماكن الجنوبية فكان ذلك.
ومن ناحية أخرى فإن "أرطبون" قائد بيت المقدس قد انسحب منها بنظام إلى مصر
لإعادة المقاومة، ودفع المسلمين عن الشام ثانية، ولذلك استدعى الأمر
مباغتة هؤلاء والإيقاع بهم قبل تزايد خطرهم واستعمال قوتهم.
كما أن الاستيلاء على ما في مصر من ثغور وسفن سوف يمكِّن المسلمين من
إخضاع مدن الشام الشمالية الواقعة على البحر المتوسط، والتي كانت لا تزال
تقاوم المسلمين، ففتح مصر ضرورة حربية ملحة تكميلا لفتح بلاد الشام؛ لأن
الإمبراطورية البيزنطية كانت تسيطر على الشام ومصر وبلاد المغرب، وتلك
البلاد - عسكريا - تعد منطقة واحدة؛ إذ أن فتح جزء منها يستلزم فتح
الأجزاء الأخرى نتيجة للتعرض للصدام مع عدو واحد يحتلها.


من الفرما.. إلى حصن بابليون


بعد
موافقة الخليفة عمر رضي الله عنه والمجلس العسكري على فتح مصر وخطة الفتح،
تحرك الجيش الإسلامي بقيادة عمرة بن العاص رضي الله عنه وتحت قيادته دون
أربعة الآلاف مقاتل ولما بلغ المقوقس مجيء جيش المسلمين إلى مصر أرسل جيشا
لملاقاة عمرو، فتلاقيا على الفرما فكان أول قتال، والفرما: مدينة من أقدم
الرباطات المصرية بقرب الحدود الشرقية لمصر، وكانت في زمن الفراعنة حصن
مصر من جهة الشرق فتقدم عمرو إلى الفرما وبها جموع فقاتلهم فهزمهم


الفتوح بعد الفرما..

قرر عمرو أن يكون هدفه الأول هو حصن بابليون؛
فهو أكبر هذه الحصون وأحصنها، ومكانه على الساحل الشرقي لنهر النيل، فموقع
حصن بابليون لم يكن عبثا، وإنما كان عن اختيار حربي سديد ثم أتى عمرو (
بلبيس) فقاتل حاميتها نحواً من شهر، حتى فتح الله عليه حوالي 9 من شهر
جمادى الأولى 20 هـ 24 أبريل 641هـ. ثم سار لا يدافع إلا بالأمر الخفيف
حتى أم دنين (مسافة 70 كيلومتراً) مسيرة يومين، فقاتل الروم بها
قتالا شديدا، وأبطأ عليه الفتح فكتب إلى عمر بن الخطاب يستمده، فأمده
بأربعة آلاف تمام ثمانية آلاف فقاتلهم


بطبيعة
الحال بلغ المقوقس، وهو حاكم مصر من قبل الدولة البيزنطية وكان مقره
بالإسكندرية، قدوم عمرو بن العاص بجيشه، وكان يتابعه وهو يتحرك على أرض
مصر، فتوجه من الإسكندرية إلى حصن بابليون لملاقاة المسلمين، وكان على
الحصن قائد من الرومان عُرِفَ بالأعيرج وقيل الأعرج (ويبدو أن هذه صفة له
ولم تكن اسما بالمعنى الصحيح)، وكما جاء الخبر إلى المقوقس سيروس كذلك جاء
خبر قدوم عمرو بجيش من المسلمين إلى البطرك بنيامين المختفي في صعيد مصر،
فكتب إلى القبط على أرض مصر يعلمهم أنه لا يكون للروم دولة، وأن ملكهم قد
انقطع، ويأمرهم باستقبال عمرو!! ولعل بنيامين قد علم بمعاملة المسلمين
لأهل العراق والشام، فليس غريبا - بل منطقيا - أن ينحاز بالقبط إلى جانب
المسلمين.

الزحف إلى الإسكندرية، ومعاونة الأقباط للمسلمين!

بعد
سقوط حصن بابليون في أيدي المسلمين أقاموا به، ثم كتب عمرو بن العاص إلى
عمر بن الخطاب – رضي الله عنهما – يستأمره في الزحف إلى الإسكندرية فكتب
إليه عمر يأمره بذلك . وقد استخلف عمرو بن العاص على ما فتح خارجةَ بن
حذافة السهمي، وسار على رأس من معه.

فخرج
إليهم عمرو بن العاص من بابليون متوجها إلى الإسكندرية فلم يلقَ منهم
أحدًا حتى بلغ ترنوط فلقي بها طائفة من الروم فقاتلوه قتالاً خفيفًا
فهزمهم الله ومضى عمرو بن العاص بمن معه حتى لَقِيَ جمع الروم بكوم شريك،
فاقتتلوا به ثلاثة أيام ثم فتح الله للمسلمين، وولى الروم مدبرين .

إنشاء الفسطاط

تقع
الفسطاط في إقليم مصر على ساحل النيل في طرفه الشمالي الشرقي، قبل القاهرة
بحوالي ميلين، وعليه نشير إلى أن عمرو بن العاص حينما عزم على التوجه إلى
الإسكندرية، أمر بنزع فسطاطه الذي ضربه قرب حصن بابليون فإذا فيه يمام قد
فرخ فأقره كما هو.. وحينما فتح المسلمون الإسكندرية أراد عمرو بن العاص
اتخاذها عاصمة ودار هجرة للمسلمين. فكتب إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في
ذلك، فسأل عمر رسول عمرو بن العاص : هل يحول بيني وبين المسلمين الماء؟
فأجابه: نعم. فكتب عمر إلى ابن العاص أن يرحل عن هذا المكان لأنه لا يريد
أن يحول بينه وبين المسلمين الماء، لا في الصيف ولا في الشتاء.

فتحول
عمرو بن العاص إلى موضع فسطاطه القديم وذلك حينما استشار أصحابه أين
ينزلون فأشاروا عليه بالنزول في هذا الموضع، وكان مضروبًا في موضح الدار
التي تعرف بدار الحصى عند دار عمرو الصغرى، ثم انضمت إليه القبائل وتنافست
في المواضع، واختط عمرو المسجد الجامع الذي عرف بتاج الجوامع، وكان حوله
حدائق وأعناب، وقام عمرو بنصب الحبال مع أصحابه حتى استقامت، وقد اشترك في
وضع قبلة المسجد من ثمانين صحابيًا، واتخذوا فيه منبرًا ثم اختط الناس بعد
اختطاط المسجد الجامع، ونزل المسلمون الفسطاط بعد تمصيره سنة 21هـ. وقد
وُفِّقَ عمرو بن العاص في اختيار الموقع الاستراتيجي بناء الفسطاط سياسيًا
وجغرافيًا، فالموقع الذي ضرب عليه عمرو فسطاطه كان موضعًا لمدينة قديمة
اندثرت ثم ازدهرت ثانية مع دخول الإسلام لمصر، وإنما بنمط معماري جديد
وبحياة وحضارة جديدتين، حتى أصبحت الفسطاط مع هذا كله مدينة جديدة زاهرة
بكل ما يجعل شأن العواصم كبيرًا.


أثر الفتتح الاسلامي على أوضاع الأقباط

1- الإعلان بين
الناس جميعًا أن لا إكراه في الدين، وأن حرية العقيدة أمر مقدس، فلن يتعرض
لأحد في حريته أو ماله بسبب دينه أو مذهبه، وخيَّرهم بين الدخول في
الإسلام والبقاء على دينهم، فمن يدخل في الإسلام يكون له ما للمسلمين
وعليه ما عليهم، والواقع أن عمرًا انتهج سياسة المساواة الدينية بين
المذهبين النصرانيين اللذين استمرا في مصر، وتذكر روايات المصادر أن
كثيرًا من كنائس الملكانيين فضلوا البقاء في مصر؛ وأن أسقفا ملكانيًا بقي
على مذهبه حتى مات ولم يمسه أحد بأذى.

2-
تحسنت حالة الأقباط وزادت ثرواتهم بسبب إهتمام المسلمين بهندسة الري،
واطمأنوا على أرواحهم وممتلكاتهم ومستقبلهم، ونعموا بالهدوء والاستقرار،
وازدادت ألفتهم بالمسلمين مع مرور الوقت ودخل كثير منهم في الإسلام.


وخلاصة القول:
لو لم يأتِ الإسلام لظلت مصر ميتة بين الأحياء.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mido real love
عضو في الادارة ومشرف مميز لمنتدى الافـــــــــــلام واهلاوى متعــــــــــصب جداااا
عضو في الادارة ومشرف مميز لمنتدى الافـــــــــــلام واهلاوى متعــــــــــصب جداااا
mido real love


ذكر
عدد الرسائل : 19575
تاريخ الميلاد : 25/09/1989
العمر : 35
الحالة : LoNlEy4EvEr
Loisirs : you always steel in my heart
نشاط العضو :
التاريخ ببساطة(شامل) Left_bar_bleue70 / 10070 / 100التاريخ ببساطة(شامل) Right_bar_bleue

تاريخ التسجيل : 25/07/2009

التاريخ ببساطة(شامل) Empty
مُساهمةموضوع: ((((الخلافه الامويه ))))   التاريخ ببساطة(شامل) I_icon_minitime12/12/2009, 16:29

التاريخ ببساطة(شامل) 775342804






التاريخ ببساطة(شامل) 357134296
التاريخ الأموي بين الإجحاف والإنصاف

لا
يُعَدُّ البحثُ في حقيقة التاريخ الأموي ترفًا ثقافيًّا، بل يستمد أهمية
علمية وتربوية قصوى في ضوء ما نلمسه من فوارق جمَّة - كما تصوِّر كتب
التاريخ - بين نقاء عهد النبوة والراشدين وقتامة عصر الأمويين.

هذه
النقلة المفتعلة قُصِدَ منها ـ إلى حدٍّ كبير ـ تقليص سنوات المجد
والوَضَاءَة في التاريخ الإسلامي لأغراض يعرفها من يُقَدِّرُون دور
التاريخ في صياغة الأمم والدفع بها إلى آفاق أرحب.

إن قبول التاريخ الأموي كما يُعرَض علينا في جُلِّ كتابات القدماء والمحدثين يضعنا أمام تساؤلات ملحة تفرضها عدة تناقضات حادة:
فنحن
أمام دولة حققت إنجازات كبرى في مجال الفتوح ونشر الإسلام، وقدمت شخصيات
فذة تركت آثارًا ضخمة في ميادين السياسة والحرب والإدارة، واستمرت تقود
المسلمين ـ آنذاك ـ على اختلاف أجناسهم وألوانهم وأديانهم وطموحاتهم أكثر
من تسعين عامًا في دولة واحدة، امتدت من حدود الصين إلى جنوبي فرنسا.

غير
أن كثيرًا مما وصلنا من تاريخ تلك الدولة لا يتفق مع عظمة منجزاتها سالفة
الذكر؛ فقد ذاع عن ذلك العصر أنه كان عصر مؤامرات سياسية، ورِدَّةٍ
خُلُقية، واضطراب اجتماعي، وخلل اقتصادي، واستهانة بمقدسات المسلمين؛
فتولدت عن ذلك ثورات كثيرة، وسالت دماء غزيرة، وهو العصر الذي شهد - كما
استقر في أذهان كثير من المسلمين - توارث الحكم بعد أن كان شورى، وتبديد
أموال الدولة على هوى حكامها بعد أن كانت مصونة، وهو العصر الذي شهد قتل
الحسين رضي الله عنه، وصلب ابن الزبير رضي الله عنهما، وضرب الكعبة
بالمنجنيق، وانتهاك حرمة المدينة المنورة، وظلم الموالي، إلى آخر ما يشيع
عن بني أمية، وما أصبح يشكل في وعي الكثيرين صورة عن عصر قاتم. أما
الإنجازات الكبرى التي سبقت الإشارة إليها فيثور حولها لغط كبير وغبش
وجدال، تصعب معه الرؤية الصافية والنظرة المتسقة.

*التحريف و الكذب في تاريخ بني أمية
تعرَّضَ
التاريخ الأموي لكثير من التشويه والتحريف، واتسعت هذه الظاهرة لتشمل
جُلَّ مصادر التاريخ الأموي، وامتدت لتترك بصماتها على بعض كتب التفسير
والحديث التي تشكل مصدرًا خصبًا من مصادر التاريخ الإسلامي في تلك الحقبة.
وإذا كان الله تعالى قد قيض للحديث الشريف من يكشف صحيحه من ضعيفه
وموضوعه، لما له من أهمية تشريعية خاصة، فإن طبيعة علم التاريخ واتساع
مجاله وتعدد عصوره وفيض رواياته قد وقفت حائلاً دون تتبع كل محاولات
التحريف والكذب فيه على اتساع مصادره وتنوعها.

*الدلائل والبراهين على ثبوت التحريف
وتتعدد
الأدلة على حدوث الكذب والتحريف في كتابة التاريخ الأموي؛ فقد أثبت بعض
المؤرخين القدماء ذلك وحذروا منه، رغم أنهم لم يجدوا بُدًّا من ذكر هذه
الأخبار الموضوعة لشيوعها أحيانًا، ولكيلا يتهمهم أحد بجهل شيء ذكره
آخرون، أو لأنهم كانوا يعتبرون من الأمانة العلمية أن يذكر أحدهم كل ما
يُروَى له، واتجه فريق آخر منهم إلى الانتقاء من هذا الركام الكبير،
فاختار ما صَحَّ عنده، ونبه إلى زيف كثير مما عداه.

ابن جرير الطبري
يقول
شيخ مؤرخينا القدماء ابن جرير الطبري في مقدمة كتابه "تاريخ الرسل
والملوك": "فما في كتابي هذا من خبر يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه من
أجل أنه لم يعرف له وجهًا في الصحة، فليعلم أنه لم يأتِ ذلك من قبلنا،
وإنما أتى من قبل بعض ناقليه إلينا، وإنما أدينا ذلك على نحو ما أُدِّيَ
إلينا". ويروي أبو الفرج الأصفهاني ما يعتبره من أكاذيب بعض الرواة، وينبه
إليه أحيانًا فيقول: "وهذا من أكاذيب ابن الكلبي، وإنما ذكرته على ما فيه
لئلا يسقط من الكتاب شيء قد رواه الناس وتداولوه".

ابن الأثير وابن العربي
هذا
بينما ينتقي ابن الأثير بعض الروايات ويهمل بعضها، ويقول في سبب ذلك: "فإن
الناس قد حشدوا تواريخهم بمقتضى الأهواء". ويشنُّ ابن العربي حملة عنيفة
على أهل الأهواء من المؤرخين، ولا يثق إلا برواية أهل الحديث الذين
يتفحصون رواياتهم ويميزون بين غثها وسمينها، يقول: "وغير ذلك هو الموت
الأحمر والخطر الأكبر؛ فإنهم ينشئون أحاديث احتقار الصحابة والسلف
والاستخفاف بهم، واختراع الاسترسال في الأقوال والأفعال عنهم. فإذا قاطعتم
أهل الباطل، واقتصرتم على رواية العدول سَلِمتم من هذه الحبائل".

ولكنِّنا
في روايتنا لقصة الأمويين نسعى إلى الوصول – بإذن الله – إلى أصح القصص،
وتحليلها لكي نتمكن من رؤية الدولة الأموية على حقيقتها، ولا نتأثر
بروايات المزورين الكاذبين

نشأه الخلافه الامويه
تأسست
الخلافة الأموية عام الجماعة سنة 41 هـ، إِثْر تنازل الحسن بن علي لمعاوية
بن أبي سفيان رضي الله عنهم جميعًا عن الخلافة؛ رغبةً في حقن دماء
المسلمين، وتوحيًدا لكلمتهم بعد الذي حدث في الفتنة الكبرى من أحداث
ومعارك، فكانت هذه النشأة قمعًا لأهل الفتنة، وتخييبًا لآمالهم، وما كانوا
يرجونه لأمة الإسلام من الشر، كما كانت مصدرَ سعادةٍ واستقرارٍ للمسلمين
بعد الفتن والقتال؛ ولذا كانت خلافة معاوية رضي الله عنه تامَّة الشرعية.

*الأمويون بين القوة والضعف
يتكون
تاريخ الدولة الأموية من عصرين للقوة؛ امتد الأول من عام 41 إلى 64 هـ،
وشمل عصر خليفتين هما: معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وابنه يزيد.
وامتد الثاني من عام 86 إلى 125هـ، وشمل خمسة خلفاء هم: الوليد بن عبد
الملك بن مروان، وسليمان بن عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز بن مروان،
ويزيد بن عبد الملك، وهشام بن عبد الملك.

كما كان هناك عصر ضعف قصير امتد من عام 125 إلى سقوط الدولة في 132هـ، وشمل عددًا من الخلفاء.
وكان
هناك عصر فتنة، وصراعات بين المسلمين، وقتال على الحكم من عام 64هـ إلى
86هـ، بدأ بمعاوية بن يزيد بن أبي سفيان، مرورًا بمروان بن الحكم، ثم ابنه
عبد الملك بن مروان.

*الخليفة المؤسس والبداية القوية
أمّا
بالنسبة لعهد القوة الأول، فقد بدأ مع أول خليفة أموي، وهو معاوية بن أبي
سفيان رضي الله عنهما، وهو صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قيل:
إنه أسلم قبل أبيه وقت عمرة القضاء سنة 7 هـ، وبقي يخاف من اللحاق بالنبي
صلى الله عليه وسلم بسبب أبيه، ولكن ما ظهر إسلامه إلا يوم الفتح، فيُروى
عنه أنه قال: "لما كان عامُ الحديبية وصَدُّوا رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن البيت، وكتبوا بينهم القضية وقع الإسلام في قلبي، فذكرت لأمي،
فقالت: إياك أن تخالف أباك. فأخفيتُ إسلامي، فوالله لقد رحل رسول الله صلى
الله عليه وسلم من الحديبية وإني مصدق به، ودخل مكة عام عمرة القضية وأنا
مسلم، وعلم أبو سفيان بإسلامي، فقال لي يومًا: لكنَّ أخاك خير منك، وهو
على ديني. فقلت: لم آلُ نفسي خيرًا، وأظهرتُ إسلامي يوم الفتح، فرَحَّبَ
بي النبي صلى الله عليه وسلم وكتبتُ له. وقد كان من رواة حديث رسول الله
صلى الله عليه وسلم؛ فمعاوية رضي الله عنه روى عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما من السنن والمسانيد، وروى عنه
جماعة من الصحابة والتابعين، ومسنده في (مسند بقيّ) مائة وثلاثة وستون
حديثًا، واتفق البخاري ومسلم على أربعة منها، وانفرد البخاري بأربعة ومسلم
بخمسة، وقد عمل الأهوازي مسندهفي مجلد.

*شهادات المؤرخين من السنة والشيعة
تولى
معاوية الخلافة ووراءه تجربة طويلة في الحكم والإدارة وسياسة الناس،
فولايته على الشام قبل الخلافة لمدة تزيد عن العشرين عامًا، أكسبته خبرة
كبيرة هيأت له النجاح في خلافته. والحقيقة أن معاوية رضي الله عنه كان
يتمتع بصفات عالية ترشحه لأن يكون رجل الدولة الأول، وتجعله خليقًا بهذا
المنصب الخطير. وقد شهد له بذلك مؤرخو السُنَّة بناءً على رأي الصحابة
الذين عاصروه، يقول ابن تيمية: "فلم يكن من ملوك المسلمين ملك خيرًا من
معاوية، إذا نُسِبَتْ أيامه إلى أيام من بعده، أمّا إذا نُسِبَتْ إلى أيام
أبي بكر وعمر ظهر التفاضل".

كما شهد له عدد من المؤرخين الشيعة – رغم عداوتهم الشديدة لبني أمية – ومنهم ابن الطقطقا واليعقوبي والمسعودي.
وهكذا
يكاد إجماعُ علماء الأمة من الصحابة والتابعين ومن تلاهم ينعقد على الثناء
على معاوية رضي الله عنه وجدارته بالخلافة، وحُسْنِ سياسته وعدله، مما
مكَّن له في قلوب الناس، وجعلهم يجمعون على محبته، وقد ثبت في الصحيحين عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ
تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ
عَلَيْهِمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ
وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ". (رواه مسلم).

كان
معاوية رضي الله عنه مجاهدًا في سبيل الله محبًّا للجهاد، كما كان
إداريًّا بارعًا، واقتصاديًّا خبيرًا؛ لذا شهد عهده أعظم الرخاء للمسلمين،
وكان المسلمون سعداء بحكمه

خلافه اليزيد بيعه ام وراثه؟؟
كبرت
سن معاوية، ورأى أنه إن مات دون تحديد الخليفة القادم، فستُطِلُّ الفتنة
برأسها من جديد؛ فأخذ يفكر فيمن يصلح لترشيحه للخلافة من بعده، وبعد تفكير
اهتدى معاوية إلى أنَّ من يصلح للخلافة بعده، ويملك مقوماتها، وفي ذات
الوقت يجمع اختياره الأمة، ويمنع اختلافهم، هو ابنه يزيد بن معاوية الذي
أعدَّه معاوية رضي الله عنه إعدادًا حسنًا، كما أنه يملك مزيَّةً لا
يملكها الكثيرون من المرشحين الذين هم أفضل منه في ميزان الإسلام كالحسين
بن عليٍّ، وعبد الله بن عمر، وعبد الله ابن الزبير رضي الله عنهم جميعًا؛
لأنه يتمتع بأنصار كُثُر يؤيدونه، ويقاومون من يفكر في الخروج عليه، وهم
بنو أمية أصحاب الشوكة والقوة في هذا العهد؛ لذا عهد معاوية بالخلافة
لابنه يزيد من بعده، وأخذ البيعة من المسلمين على ذلك فيما عدا البعض
الذين رفضوا أن يبايعوا، ومنهم الحسين وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم
جميعًا.

كانت هذه
البيعة نقطة فارقة في حياة الدولة الأموية، وفي مسيرة الدولة الإسلامية
ككل؛ إذ رغم أنها كانت ذات ظروف خاصة، خشي فيها معاوية رضي الله عنه من
اختلاف الأمة، وتجدد الفتنة مرةً أخرى، إلا أنَّ من أتى من الخلفاء بعد
معاوية رضي الله عنه استغلَّها في غير غرضها، فكان كل واحد منهم يستخلف
أبناءه من بعده، فتحولت الخلافة الإسلامية التي كانت قائمةً على الشورى
منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وعهد الخلفاء الراشدين إلى مُلكٍ
عضوض، يرث فيه الأبناء الملك عن الآباء، ولَئن كان معاوية رضي الله عنه
معذورًا ومجتهدًا فيما فعله، فإن مَن جاء بعده لم يكن كذلك، بل سعى إلى
جعل المُلك في عقبه عن غير سبب؛ فإن الفتنة بعد معاوية رضي الله عنه قد
صارت بعيدة العهد، ويمكن رد أمر الخلافة في هذه الأوقات إلى الشورى، ولكن
شهوة السلطة غيرت مسار الخلافة

احداث خطيرة فى اول عهد اليزيد
تُوُفِّي
معاوية رضي الله عنه بدمشق في رجب سنة 60 هـ، وجُدِّدَت البيعة ليزيد بعد
وفاة أبيه، ولم يَشِذّ عن ذلك إلا الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير رضي
الله عنهما، وسيكون لكل منهما مع يزيد شأن كما سنرى، أما بقية الصحابة فقد
بايعوا ليزيد جمعًا للكلمة، وحفظًا لوحدة الأمة، وخوف الفتنة مثل: عبد
الله بن عباس، وعبد الله بن عمر.

وفي
عصر يزيد حدثت عدة أحداث خطيرة جعلت المسلمين ينظرون إليه نظرة اتهام، ولو
لم يكن هو مخطئًا فيها، ومن ذلك خروج الحسين بن علي رضي الله عنهما على
يزيد استجابةً لأهل الكوفة، رغم رفض مَن وُجِد من الصحابة لذلك؛ خوفًا من
شق عصا المسلمين، ولكن الحسين أصرَّ، وكان ما كان من أمر تخلِّي أهل
الكوفة عنه كما تخلوا عن أبيه من قبل، ثم قتاله بأهل بيته وأنصاره الذين
لم يبلغوا الثمانين عددًا ضد قوات الوالي عبيد الله بن زياد بقيادة عمر بن
سعد بن أبي وقاص في كربلاء، ثم استشهاده رضي الله عنه، ومن معه من الرجال.

*يزيد يبكى الحسين ويكرم أهله
وقد
نَدِمَ عبيدُ الله بن زياد على قتله الحسين، وبكى يزيد بن معاوية لمّا
أتاه الخبر، وقال للرسول: كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين، لعن الله
ابن سمية (عبيد الله بن زياد)، أَمَا واللهِ لو أني صاحبُه لعفوت عنه،
ورَحِمَ اللهُ الحسين. ثم أكرم يزيد بن معاوية نساء الحسين وأهله،
وأدخلهنَّ على نساء آل معاوية وهُنَّ يبكين ويَنُحْنَ على الحسين وأهله،
واستمر ذلك ثلاثة أيام، ثم أرسل يزيد بن معاوية إليهن يسأل كل امرأة عما
أُخِذَ منها؟ فليس منهنَّ امرأةٌ تدَّعي شيئًا بالغًا ما بلغ إلا أضعفه
لها.

ثم أمر يزيد بن معاوية النعمان بن بشير أن يبعث معهنَّ رجلاً أمينًا معه رجال وخيل يصحبهن أثناء السفر إلى المدينة.
وعندما
ودعهن يزيد قال لعلي بن الحسين (علي الأصغر): قبَّح الله ابن سمية، أما
والله لو أني صاحب أبيك ما سألني خصلة إلا أعطيته إياها، ولدفعت الحتف عنه
بكل ما استطعت ولو بهلاك بعض ولدي، ولكنَّ الله قضى ما رأيت. ثم جهَّزه
وأعطاه مالاً كثيرًا، وكساهم وأوصى بهم ذلك الرسول، وقال لعلي: كاتِبْنِي
بكل حاجة تكون لك.

*الحرة بالمدينة، وحصار الكعبة بالمجانيق
كانت
حادثة كربلاء الشرارة التي أشعلت الحرب، كما تركت آثارًا سياسية خطيرة في
العالم الإسلامي، فعندما وصل خبر مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما إلى
الحجاز أعلن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما خلع يزيد، وبدأ يأخذ
البيعة لنفسه من الناس في مكة، وكان ذلك سببًا في عزل عمرو بن سعيد بن
العاص عن الحجاز، وتولية الوليد بن عتبة بن أبي سفيان مكانه، ثم لم يلبث
أن عزله وأَمَّر عثمان بن محمد بن أبي سفيان، وكَثُرَ الحديث في المدينة
عن يزيد، فأرسل إليهم النعمان ابن بشير يحذرهم الفتنة، ويذكرهم الطاعة،
فأبوا عليه، ثم أعلنوا خلع يزيد، وبايعوا عبد الله بن حنظلة الغسيل،
ووثبوا على عثمان بن محمد بن أبي سفيان، والي يزيد، ثم حاصروا بني أمية في
دار مروان بن الحكم، وكان عددهم حوالي الألف شخص.

فلما
علم يزيد بن معاوية بذلك أرسل إليهم جيشًا عليه مسلم بن عقبة المري، وإن
حدث له حدث فالأمير من بعده الحصين بن نمير السكوني، وأقبل مسلم بن عقبة
بالجيش، والتقى ببني أمية بوادي القرى، وقد أخرجهم أهل المدينة.

وصل
مسلم بن عقبة المري إلى المدينة فأمهل أهلها ثلاثة أيام فأبوا إلا القتال،
وكان عليهم: عبد الله بن حنظلة الغسيل الأنصاري، وعبد الله بن مطيع، ومعقل
بن سنان، وعبد الرحمن بن زهير بن عوف الزهري ابن أخ عبد الرحمن بن عوف،
وكان مجيء مسلم عن طريق الحرة الشرقية، ووقعت الوقعة وكانت في أواخر ذي
الحجة من سنة ثلاث وستين للهجرة، وقُتِلَ أكثر سادة أهل المدينة في هذه
الوقعة.

وعندما
انتهى مسلم بن عقبة المري من المدينة اتجه بجنده نحو مكة يريد عبد الله بن
الزبير، وخلف على المدينة روح بن زنباع الجذامي، ولم يقطع مسلم مسافة حتى
نزل به الموت، فتولى أمر الجند بعده الحصين بن نمير السكوني حسب وصية يزيد
بن معاوية فسار إلى مكة، وقد بايع أهلها والحجاز كله عبد الله بن الزبير،
فقاومه ابن الزبير وقُتِلَ من أصحابه المسور بن مخرمة، ومصعب بن عبد
الرحمن بن عوف، وأخوه المنذر بن الزبير، واستمر القتال بقية المحرم وصفر
من سنة أربع وستين، وفي أوائل ربيع الأول قُذِفَ البيت بالمنجنيق،
وأُحْرِقَ بالنار، ثم جاءهم نعي يزيد في مطلع ربيع الثاني، وقد توفي في
14من ربيع الأول عام 64 هـ.

*مبايعة عبد الله بن الزبير على الخلافة
توفي
يزيد وأهل الشام يحاصرون أهل مكة وابن الزبير، ووصل الخبر إلى ابن الزبير
قبل أن يصل إلى أهل الشام، فناداهم أهل مكة: لماذا تقاتلون؟ لقد هلك يزيد.
فلم يصدقوهم، واستمروا في قتالهم، فلما تأكدوا من النبأ توقفوا عن القتال.

بعث الحصين بن نمير إلى عبد الله بن الزبير، والتقى معه، وقال له:
إن
يكُ هذا الرجل قد هلك فأنت أحق الناس بهذا الأمر، هَلُمَّ فلنبايعك، ثم
اخرج معي إلى الشام؛ فإن هذا الجند الذين معي هم وجوه أهل الشام وفرسانهم،
فوالله لا يختلف عليك اثنان، وتُؤَمِّن الناس، وتهدر هذه الدماء التي كانت
بيننا وبينك، والتي كانت بيننا وبين أهل الحرة. ولكن ابن الزبير خشي من
الذهاب إلى الشام، ولم يرغب في مغادرة مكة التي احتمى بها، وكان رأي
الحصين أن هناك بالشام من يطالب بالخلافة فماذا يكون موقفه؟ أمّا إذا ذهب
عبد الله بن الزبير فإنه لن يطالب فيها أحد لمكانة ابن الزبير أولاً،
ولعدم وجود أبناء كبار ليزيد أو أحد من أسرته يفكر في هذا الأمر.

ولما لم يتفق ابن الزبير والحصين بن نمير سار جيش الشام إلى بلدهم تاركين الحجاز مبايعًا لابن الزبير.
اعترض
بعض علماء المدينة على خلع يزيد بن معاوية، والخروج عليه، ولم يؤيدوا من
قام بالخروج، وقاموا بنصح إخوانهم واعتزلوا الفتنة، وكان أغلب هذا الرأي
من أهل العلم والفقه في الدين، وفي مقدمة هؤلاء الصحابي الجليل والإمام
القدوة عبد الله بن عمر بن الخطاب، ومحمد بن علي ابن أبي طالب (ابن
الحنفية)، والنعمان بن بشير الأنصاري، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي
الله عنهم جميعًا، وسعيد بن المسيب سيد التابعين رحمه الله.

*خرجوا على الإمام رغم عظمتهم
كان
مقتل الحسين، ووقعة الحرة بالمدينة، وحصار الكعبة بالمجانيق من أهم ما
أساء لصورة يزيد بن معاوية رحمه الله، ولكن الرجل معذور؛ فقد كان الخليفة
الشرعي، ومن خرجوا عليه - رغم عِظَم مكانتهم في الإسلام، وسابقتهم فيه، بل
وأفضليتهم على يزيد بمراحل، كالحسين وابن الزبير رضي الله عنهم جميعًا،
وكذلك عبد الله بن حنظلة - في هذا الموقف كانوا خارجين على الإمام الشرعي
المُبايَع من جمهور المسلمين الأعظم

عهدان من القوة والجهاد
كانت
تلك هي فترة القوة الأولى في العصر الأموي، بينما جاءت الفترة الثانية
بدايةً من عهد الوليد بن عبد الملك، وانتهاءً بعهد هشام بن عبد الملك.

وقد
تميز هذان العهدان بسيادة روح الجهاد؛ إذ حافظت الدولة في العصر الأموي
على أن تظل أُمَّةً مجاهدة؛ فأبقت القسم الأكبر من مواردها المالية يُصرف
في المجال العسكري. وإضافة إلى إخراج الرواتب للجند، والأرزاق للذرية،
والمعونة للمقاتلة عملت الدولة على توفير وسائل القوة ووجوه المنعة للجيش؛
فأقامت المدن العسكرية في جميع جبهات القتال، وعبأتها بالجنود، وشجعت
الناس على الانتقال إليها والإقامة بها، وأقطعتهم الأراضي الزراعية
يستغلونها، والمنازل يسكنونها، ووفرت بها الطعام ومخازن الأسلحة والكسوة،
وحَصَّنتها بالأسوار والخنادق، وبَنَتِ القلاعَ والحصونَ، وأقامتِ
المناظرَ والمنارات على طول الطريق بين الثغور والداخل، وجعلت المواقد
عليها لتكون أخبار الثغور حاضرة على الدوام عندها.

وقد
تحول كثير من هذه المدن العسكرية إلى مراكز مدنية حافلة بالبناء وأماكن
العبادة ومراكز الثقافة وأسواق التجارة، وأخذت تشهد نهضة طيبة في الوجوه
المختلفة من النشاط البشري.

كما
عززت الدولة القوة العسكرية بإنشاء سلاح البحرية، وأقامت دور صناعة السفن
في عكا، ثم من بعدها في صُور من بلاد الشام، وفي جزيرة الروضة والفسطاط من
بلاد مصر، وفي تونس، وزُوِّدَتْ هذه المصانع بما يلزم من المواد والصناع.

*اتساع رقعة الدولة الإسلامية
لقد
امتدت الفتوحات الإسلامية على يد الأمويين إلى آفاق لم يعرفها عصر
الراشدين، حيث شملت دولة الإسلام ما بين الصين شرقًا وبلاد الأندلس وجنوبي
فرنسا غربًا. وطرقت أبواب القسطنطينية، وضيَّقت عليها الخناق، وحاصرتها
ثلاث مرات، وتحول بحر الروم إلى بحيرة إسلامية، ونشرت أعلام الإسلام في
القارات الثلاث المعروفات آنذاك آسيا وإفريقيا وأوروبا، ودخلت أعداد غفيرة
من البشر بذلك في دين الله، وأصبحت لغة العرب في أوج قوتها وثرائها، وأضحت
لسانًا لكثير من سكان هذه البلاد، وتحققت ألوان فذة من البطولة والتضحية،
وطلب الشهادة في سبيل الله خلَّفت ذكرياتٍ مجيدة، ظلت غذاء ومددًا على
امتداد التاريخ وتوالي الأجيال حتى اليوم، ولا تزال مسامع الدنيا تعي
أسماء مثل المهلب بن أبي صفرة، ويزيد بن المهلب، وقتيبة بن مسلم، ومحمد بن
القاسم الثقفي، وموسى بن نصير، وطارق بن زياد، ومسلمة بن عبد الملك،
وغيرهم.

*عصر العلماء و الفقهاء
زخر
العصر الأموي بكثير من العلماء على امتداده الزماني والمكاني، يأتي في
طليعتهم جيل الصحابة الذين عاصروا هذه الدولة، وتركوا آثارًا واضحة على
الحياة السياسية والاجتماعية فيها، وجيل التابعين الذين أخذوا عنهم،
وورثوا منهم، ونشروا علومهم وتراثهم.

ونلاحظ
أن أبرز الخلفاء الأمويين كانوا من العلماء، بل من كبارهم وسادتهم مثل:
معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنه) الصحابي الجليل كاتب الوحي، ومن لا
يُنكَر علمه وحِلمُه، وعمر بن عبد العزيز وغيرهم.

وكان
كثير ممن يحوط هؤلاء الخلفاء من العلماء والفقهاء الذين لم يقتصر دورهم
على تعليم العلم وتدريسه، بل مارسوا السياسة، وعرفوا طرقها، فقلَّل ذلك من
شهرتهم في مجال الفقه والدرس، وإن ظَلَّ بعضهم يحتفظ بمكانته في ذلك
الميدان، ومن هؤلاء العلماء بعض الصحابة الذين كانوا قريبين من معاوية رضي
الله عنه أثناء حكمه، مثل: حبيب بن مسلمة الفهري، والنعمان بن بشير
الأنصاري، والمغيرة بن شعبة، وعمرو بن العاص، ومسلمة بن مخلد الأنصاري،
وفضالة بن عبيد الأنصاري، وغيرهم رضوان الله عليهم، كما كان من القريبين
من معاوية بعض أبناء الصحابة الأعلام مثل: الحسن والحسين ابني علي بن أبي
طالب، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم جميعًا.

*الاختلافات تدل على حيوية المجتمع ومرونته
وكما
كانت تأثيرات العلماء ومعارضتهم الأمويين أحيانًا أو قربهم منهم أحيانًا
أخرى، دليلاً على حيوية هذه الجماعة وتأثيرها الكبير في المجتمع الإسلامي،
فقد كان التصاقها بالجماهير وتعلق الناس بها وتجاوبهم معها دليلاً آخر على
أن المجتمع الإسلامي في العصر الأموي لم يكن على ما يصوره بعض المؤرخين
لهوًا وعبثًا، فإنه لما توفي طاوس اليمني بمكة، وصلَّى عليه هشام بن عبد
الملك، لم يتهيأ إخراج جنازته لكثرة الناس حتى وجَّه أمير مكة بالحرس،
ولقد كان عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي يضع سرير طاوس على كاهله، وقد
سقطت قلنسوة كانت على رأسه، ومُزِّق رداؤه من خلفه.

وقد
بذل الأمويون جهودًا كبيرة من أجل الحفاظ على نصاعة العقيدة الإسلامية
وبساطتها وصحتها دون تحريف أو مغالاة، غير أن اختلاط العرب بغيرهم من شعوب
البلاد المفتوحة صاحبة العقائد المختلفة، والأديان المتعددة، والتصورات
الدينية المتباينة كان لا بد أن يترك أثرًا سلبيًّا على التصور الصحيح
للإسلام عند بعض أبنائه، كما أننا نتوقع منذ البداية أن هذه الحضارات
المهزومة والأمم المدحورة، وإن فاتها النصر في ساحات القتال، لن تعدم
وسيلة ما للدس والكيد والتآمر، ومحاولة تخريب عقائد المسلمين والتشويش
عليها.

نهضه علميه ومعرفيه
أثبتت
الدراسات الحديثة أن المسلمين في العصر الأموي عرفوا الكتابة، وتأليف
الكتب وتصنيف العلوم، بل إنهم اهتموا بالترجمة إلى لغتهم، والتفتوا إلى
معارف الآخرين ينهلون منها.

كما
أثبتت هذه الدراسات أن بني أمية كان لهم نصيب كبير في تشجيع ذلك ورعايته،
وضربوا بسهم وافر في النهضة الثقافية والمعرفية للأمة الإسلامية، وأن هذه
النهضة لم تكن قاصرة على رواية الشعر أو حفظ الأمثال أو معرفة القرآن
والحديث فقط، بل امتدت لتشمل جوانب شتى من العلوم النظرية والطبيعية على
السواء.

فقد شهد
عصر القوة في الدولة الأموية نهضة كبيرة في التفسير وعلوم القرآن والفقه
والعقيدة وعلم الكلام، وتألَّق فيه نجم عديد من العلماء الذين ظلَّ
المسلمون بعد ذلك يأخذون من علومهم، ويستشهدون بأقوالهم واجتهاداتهم،
أمثال ابن عباس وتلاميذه كسعيد بن جبير، ومجاهد بن جبر، وشريح بن الحارث
الكندي القاضي، وقبيصة بن ذؤيب الخزاعي الذي تولى الكتابة لعبد الملك بن
مروان وكان مقربًا منه، وإبراهيم النخعي، ومكحول بن أبي مسلم الدمشقي،
وغيرهم كثير.

*اهتمام خاص بالشعر والشعراء
وقد
اهتم الأمويون بالشعر والشعراء، فقد أدرك الأمويون أهمية الشعراء في
الدعاية السياسية لهم إزاء الأحزاب السياسية الأخرى، وأهميتهم في إبراز
منجزات الدولة ودحض حجج الخصوم؛ ولذلك فقد جمعوا حولهم جماعة من أكابر
الشعراء في ذلك العصر، منهم من اختص بهم وانقطع إليهم، ومنهم من مدحهم بين
الحين والآخر، وكان ذلك دأب ولاتهم أيضًا، وبعض هؤلاء الشعراء ظل على
ولائه لبني أمية حتى في أيام محنتهم أو تسلط خصومهم.

ومن
ناحية أخرى كان الأمويون تواقين للشعر، مدركين أهميته ودوره الاجتماعي
بغَضِّ النظر عن نفعه السياسي؛ فقد كتب معاوية رضي الله عنه إلى زياد أن
أوفد إليَّ ابنك عبيد الله، فلما قدم عليه لم يسأله عن شيء إلا أنفذه له،
حتى سأله عن الشعر فلم يعرف منه شيئًا، فقال له: ما منعك من تعلُّم الشعر؟
فقال: يا أمير المؤمنين، إني كرهت أن أجمع في صدري كلام الرحمن مع كلام
الشيطان. فقال معاوية رضي الله عنه: اُغْرُب؛ فواللهِ ما منعني من الفرار
يوم صفِّين إلا قول ابن الإطْنابَةِ حيث قال:

أبتْ لي عفتي وأَبَى بــلائي وأخذي الحمد بالثمن الرَّبيحِ
وإعطائي على الإعـدام ماليوإقدامي على البطل المُشِيحِ
وقولي كلما جَشَأَتْ وجاشَتْمكانك تُحْمَدي أو تستريحي
ثم كتب إلى أبيه أن رَوِّه الشعر، فَرَوَّاه حتى كان لا يسقط عنه شيء منه.
كما
يحدثنا التاريخ عن اهتمام الأمويين بالعلوم التجريبية والترجمة؛ فقد كان
معاوية رضي الله عنه سبَّاقًا إلى رعاية العلوم وأهلها، فأنشأ بيتًا
للحكمة (أي مركزًا للبحث) ومكتبة، واستمر المروانيون يُعْنَون بهذا البيت
حتى في أسفارهم وحروبهم، يسألون عنه ويهتمون به.

*تقدم ملحوظ في مختلف الصناعات
لقد
أحسن المسلمون الاستفادة من ثرواتهم المعدنية، والطبيعية المختلفة،
وأتقنوا الكثير من الصناعات واشتهروا بها، ساعد على ذلك توافر المواد
الخام للصناعة في البلاد المفتوحة، ومن أشهر الصناعات في الخلافة الأموية:

صناعة
الأسلحة، وصناعة السفن العربية، والصناعات النسيجية. ومن الصناعات
المعدنية تكفيت المعادن البرونز أو النحاس بالذهب أو الفضة. ومن الصناعات
الغذائية: السكر في الأهواز وبلاد الشام، وماء الورد، والعطور. واشتُهِرَت
بلاد الشام ومصر بصناعة الزجاج، كما اشتُهِرَت فارس ومصر بالفخار والخزف،
والمغرب العربي وبلاد الشام والعراق بصناعة الجلود.

ومن الأدوات التي تمَّ تصنيعها في الدولة الأموية مقاييس النيل لمعرفة مبلغ الزيادة والنقصان في ماء النيل، وكان في جزيرة الروضة.
ومن
الصناعات كذلك: صناعة السكر، وصناعة الفُرُش الصوفية، وصناعة الحصر،
وصناعة تجفيف السمك، وصناعة الأخشاب، وصناعة الروائح العطرة في إقليم
فارس، وماء الورد بمدينة جور التي تقع جنوب فارس، والطواحين، والأرحاء
الهوائية، وصناعة ورق البردي، وآلات القياس مثل "الإسطرلابات"وغيرها من
الآلات الرياضية الدقيقة، وكانت صحة موازين أهل حران مضرب الأمثال.

*تقدم في التجارة والخدمات
وكان
من مظاهر عهد القوة اهتمام الخلافة الأموية ببناء الأسواق في المدن التي
أنشئت في ذلك العصر مثل: القيروان وتونس وواسط والمنصورة والرصافة وغيرها،
وبدأ تخطيط هذه الأسواق وتصنيفها في هذا العصر.

كما
عيّنت الدولة الأموية المشرفين على هذه الأسواق، وكان الواحد منهم يعرف
باسم "المحتسب" وكان يعرف أيام الراشدين بـ "عامل السوق"، وقد اختيروا من
أهل العدالة والمهابة والصرامة والخشونة في الدين والعفة عن أموال الناس،
والمعرفة بالمنكرات الظاهرة، والعلم بأحكام الشريعة، وكان يدخل في نطاق
عملهم مراقبة العبادات من صلاة الجمعة وصلاة الجماعة في المساجد، وإقامة
الأذان وصيام رمضان، والمعاملات من التجارة وما يتصل بها من الموازين
والمكاييل والنقود، وما يدخل فيها من الغش والبيوع الفاسدة والتدليس،
ومراقبة الأطعمة والأشربة ومحلات تحضيرها وبيعها، والملابس والثياب
والأقمشة، ومحلات الصياغة والصرافة، ونظام المرور، ومنع المضايقة والتعدي
على الطرق والفنادق والحمامات، وغير ذلك مما يتصل بالمعايش والمصالح
العامة للناس في المدينة، فكانوا يأمرون بالمعروف إذا ظهر تركه، وينهون عن
المنكر إذا ظهر فعله، ويأخذ الناس بذلك.

ومن
أبرز عهود القوة في الدولة الأموية عهد الوليد بن عبد الملك؛ إذ تمَّ في
خلافته إعادة بناء مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وتوسعته من جميع
النواحي، وإدخال حجرات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فيه، ولم يبخل في
سبيل ذلك بمال، ليكون المسجد في أعظم وأبهى صورة، وعهد بهذه المهمة إلى
ابن عمه وواليه على المدينة عمر بن عبد العزيز، فأوكل عمر مهمة الإشراف
على بناء المسجد إلى صالح بن كيسان، وبعث إليه الوليد بالأموال والرخام
والفسيفساء وثمانين صانعًا من الروم والقبط من أهل الشام ومصر.

أما
مسجد دمشق فقد جعله الوليد آية من آيات العمارة الإسلامية، وبالغ في
تزيينه وأبهته ليكون مظهرًا من مظاهر عظمة الإسلام، وأنفق عليه أموالاً
طائلة حتى إن الناس انتقدوه على كثرة النفقات على بناء المسجد، فقال لهم:
يا أهل الشام، لكم أربعة أشياء تفخرون بها، فأردت أن أجعل لكم خامسًا. وقد
استغرق بناء مسجد دمشق كل عهد الوليد، وأتمَّ بناءه أخوه سليمان بن عبد
الملك من بعده

اقوى الخلفاء
*الوليد بن عبد الملك
وكما
كان الوليد مهتمًّا ببناء المساجد، فقد اعتنى بتعبيد الطرق وبخاصة تلك
التي تؤدي إلى الحجاز لتيسير السفر على الحجاج إلى بيت الله الحرام، فكتب
إلى عمر بن عبد العزيز في تسهيل الثنايا وحفر الآبار، وعمل الفوارة في
المدينة، وأمر لها بقُوَّام يقومون عليها، وأن يُسقَى منها أهل المسجد.

وإذا
كان عهد الوليد بن عبد الملك قد اتسم بالإصلاح والتعمير في الداخل، ففي
الخارج شهد أعظم الفتوحات في الدولة الأموية، بل في التاريخ الإسلامي كله
- بعد فتوحات الخلفاء الراشدين - وقد برز في عهده عدد من القواد العظام
الذين اتصفوا بالجسارة والإقدام والتضحية في سبيل الله، فاضطلعوا بعبء
الفتوحات في الشرق والغرب؛ ففي المشرق وقف الحجاج في العراق ناشرًا جناحيه
إلى الجنوب الشرقي، إلى إقليم السند، فأرسل محمد بن القاسم الثقفي ففتح
هذا الإقليم، وإلى الشمال الشرقي فيما وراء النهر، أرسل قتيبة بن مسلم
الذي فتح هذا الإقليم الشاسع وأدخله تحت راية الإسلام.

أما
في المغرب فقد تألق قائدان عظيمان هما: موسى بن نصير، وطارق بن زياد،
اللذان فتحا الأندلس، كما اضطلع أخوه مسلمة بن عبد الملك وأبناؤه بمنازلة
الدولة البيزنطية والضغط عليها، والاستيلاء على الكثير من حصونها وقلاعها
في مناطق الحدود.

والخلاصة
أن عهد الوليد كان عهد الرخاء الواسع والازدهار العظيم، نَعِمَ الناسُ فيه
بالهدوء والاستقرار، والبناء والعمران في الداخل، ووصلت فيه حدود الدولة
الإسلامية من مشارف بلاد الصين حتى الأندلس، وأصبحت بحق أقوى دولة في
العالم وقتئذٍ.

وقد تُوُفِّي الوليد بن عبد الملك في منتصف جمادى الآخرة سنة 96 هـ، فخلفه أخوه سليمان بن عبد الملك.
*سليمان بن عبدالملك
وعلى
نفس النهج كان سليمان بن عبد الملك؛ إذ كان ورِعًا تقيًّا، ويتضح ذلك من
خطبه فلا تكاد خطبة من خطبه تخلو من حث الناس على التقوى والخوف من الله
ومدارسة القرآن. وتتضح هذه السيرة الطيبة من هذه الخطبة؛ فعن جابر بن عون
الأسدي، قال: أول ما تكلَّم به سليمان حين ولي الخلافة أن قال: "الحمد لله
الذي ما شاء صنع، وما شاء رفع، وما شاء وضع، ومن شاء أعطى، ومن شاء منع.
إنَّ الدنيا دار غرور. يا عباد الله، اتخذوا كتاب الله إمامًا، وارضوا به
حكمًا، واجعلوه لكم قائدًا، فإنه ناسخ لما قبله، ولن ينسخه كتاب بعده".

كما
اتخذ سليمان بن عبد الملك بطانة من صلحاء الرجال أمثال عمر بن عبد العزيز
ورجاء بن حيوة وغيرهما، وقد أثر ذلك في سليمان بن عبد الملك تأثيرًا
كبيرًا، فقد كان عمر بن عبد العزيز دائم التذكير بمسئوليته نحو رعيته؛
فيُروى أن سليمان بن عبد الملك حج بالناس سنة 97 هـ وهو خليفة، فلما رأى
الناس بالموسم قال لعمر بن عبد العزيز: ألا ترى هذا الخلق الذي لا يحصِي
عددهم إلا الله، ولا يسع رزقهم غيره. فقال: يا أمير المؤمنين، هؤلاء رعيتك
اليوم، وهم غدًا خصماؤك عند الله. فبكى سليمان بكاءً شديدًا، ثم قال:
بالله أستعين.

وكان
محمد بن سيرين يترحم على سليمان بن عبد الملك، ويقول: افتتح خلافته بخير
وختمها بخير، افتتحها بإجابة الصلاة لمواقيتها، وختمها باستخلافه عمر بن
عبد العزيز.

وتُوُفِّي
سليمان بن عبد الملك في مرج دابق، مرابطًا في سبيل الله في شهر صَفَر سنة
99 هـ، وبُويِعَ في اليوم نفسه لابن عمه عمر بن عبد العزيز.

*عمر بن عبد العزيز (غرة الخلفاء)
أمّا
غُرَّة خلفاء بني أمية، فقد كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله - رغم قصر
مدته - إذ بدأها في صفر 99 هـ، وانتهت بموته رحمه الله في شهر رجب سنة 101
هـ، أي أنها استمرت حوالي سنتين وخمسة أشهر.

*منهج مميز يحمل على العمل
ومن
أهم ما يميز منهج عمر في سياسته في الخلافة، حرصه على العمل بالكتاب
والسنة، ونشر العلم بين رعيته، وتفقيههم في الدين وتعريفهم بالسنة، ومنطلق
عمر في ذلك فهمه لمهمة الخلافة، فهي حفظ الدين وسياسة الدنيا به، فهو يرى
أن من أهم واجباته تعريف رعيته بمبادئ دينهم، وحملهم على العمل بها، فورد
عنه أنه قال في إحدى خطبه: إن للإسلام حدودًا وشرائع وسننًا، فمن عمل بها
استكمل الإيمان، ومن لم يعمل بها لم يستكمل الإيمان، فلئن أعش أعلمكموها
وأحملكم عليها، وإن أَمِتْ فما أنا على صحبتكم بحريص. كما أمر عماله أن
يجروا الرواتب على العلماء؛ ليتفرغوا لنشر العلم، وانتدب العديد من
العلماء لتفقيه الناس في الدين، فبعث يزيد بن أبي مالك ليفقه بني نمير
ويُقْرِئَهم، وبعث نافع مولى ابن عمر إلى أهل مصر ليعلمهم السنن، وكان قد
بعث عشرة من الفقهاء إلى إفريقية يفقهون أهلها.

*اهتمامه بالعلماء وإحساسه بالفقراء
ولم
تنحصر مهمة هؤلاء العلماء في التعليم فحسب، بل منهم من أسند إليه بعض
الولايات، ومنهم من تولى القضاء وأسهم أكثرهم - بالإضافة إلى نشر العلم -
في مجال الدعوة والجهاد في سبيل الله، وهذا الاهتمام الذي تميز به منهج
عمر لتعليم الناس، وتفقيههم بأمور دينهم له أبعاد سياسية وآثار أمنية، ذلك
أن نشر الوعي الديني الصحيح والفقه بين أفراد الرعية له أثر في حماية عقول
أبناء الأمة من عبث الأفكار التي ينعكس خطرها على الاستقرار السياسي
والأمني، كأفكار الخوارج وغيرهم.

كان
عمر بن عبد العزيز يدرك عظم الأمانة الملقاة على عاتقه، وأنه مسئول عن كل
فرد في رعيته؛ فلذلك نجده دائم التفكير فيما يصلحهم، فقد أهمه وقوفه بين
يدي ربه، وماذا يقول له إذا سأله عنهم يوم القيامة، فيذكر ابن كثير: أن
زوجته فاطمة بنت عبد الملك دخلت يومًا عليه وهو جالس في مصلاه واضعًا خده
على يده ودموعه تسيل على خديه، فقالت له: ما لك؟ فقال: ويحك يا فاطمة! قد
وليت من أمر هذه الأمة ما وليت، فتفكرت في الفقير الجائع، والمريض الضائع،
والعاري المجهود، واليتيم المكسور، والأرملة الوحيدة، والمظلوم المقهور،
والغريب الأسير، والشيخ الكبير، وذي العيال الكثير والمال القليل،
وأشباههم في أقطار الأرض وأطراف البلاد، فعلمت أن ربي عز وجل سيسألني عنهم
يوم القيامة، وأن خصمي دونهم محمد صلى الله عليه وسلم؛ فخشيت أن لا تثبت
لي حجة عند خصومته، فرحمت نفسي فبكيت.

*إداري متمرِّس يحسن التصرف
تعتبر
سياسة عمر بن عبد العزيز الداخلية من أهم الجوانب في خلافته، فقد كان عمر
بن عبد العزيز إداريًّا فذًّا، ولا عجب في ذلك فقد عركته تجربة الإدارة
منذ أن كان واليًا على خناصرة والمدينة، ثم تكاملت عناصر التجربة بعد أن
أصبح من أقرب الناس إلى سليمان بن عبد الملك، يرقب الحوادث عن قرب، ويتمرس
على شئون الدولة، وتسيير دفَّة الحكم فيها، وما أن تولى مقاليد الخلافة
حتى ذهب يبذل كل جهده، ويُفني ما تبقى من عمره في إصلاح أمور الدولة،
واستقرار الأمن والرخاء في ربوعها، وتحقيق العدالة والكفاية في كل
أرجائها، وقد اتخذ لذلك منهجًا كان من أبرز معالمه الحرص على مال
المسلمين، والمحافظة على الوقت والجهد، وسرعة التصرف في الأمور، وحسن
اختيار القضاة والولاة والموظفين، وإزالة آثار كل عمل لا يساير روح
الإسلام، وتحقيق التوازن بين الناس، ومجادلة الخارجين على الدولة بالحسنى
لإقناعهم وردهم إلى حظيرة الجماعة، كما كان الطابع لهذا المنهج هو العدل
والإنصاف والرحمة والإحسان.

كما
كان لعمر بن عبد العزيز وقفته في السياسة الداخلية؛ ليعيد ما أعوجَّ من
الأمور إلى نصابه، ويحاول إصلاح ما رآه انحرافًا عن الجادة سواء في
الناحية الإدارية أو المالية أو غيرها، كذلك كانت له وقفة مماثلة في
السياسة الخارجية، فقد رأى أن مساحة الدولة قد اتسعت، وأن أطرافها قد
ترامت وتباعدت، ولعل كثيرًا من المشاكل والأخطاء التي وقع فيها بعض الولاة
قد نشأت عن هذا الاتساع الكبير في مساحة الدولة، فكل إقليم كان يضيف إلى
مشاكل الدولة عبئًا جديدًا، فرأى أنه من الحكمة إيقاف الفتوحات، أو الحد
منها على الأقل؛ لأن التوقف عند حدود ما فُتح من بلاد وأقاليم، والعمل على
حَلِّ مشاكلها، وعرض الإسلام عليها بأسلوب حكيم دقيق، وقدوة حسنة، سوف
يكون أجدى من المضي في الفتوحات، بل ربما لا تكون هناك حاجة بعد ذلك إلى
فتح جديد؛ لأن الناس سيقبلون على الإسلام من تلقاء أنفسهم، لأنهم سيجدون
فيه كل ما يرضيهم، روحيًّا وماديًّا، وما يحقق سعادتهم في الدنيا والآخرة،
وقد تحقق ما تصوره في ذلك وزادت حركة الإقبال على الإسلام في البلاد
المفتوحة في عهده زيادة كبيرة، وأخذ عمر في إرسال الدعاة من خِيرَة
العلماء ليدعوا الناس إلى الإسلام، بدلاً من إرسال الجيوش للفتح، كما بدأ
يرسل الكتب إلى الملوك والأمراء المعاصرين يدعوهم إلى الإسلام، فأرسل إلى
أمراء ما وراء النهر، وإلى ملوك السند، يدعوهم إلى الإسلام والطاعة على أن
يملكهم على بلادهم، ويكون لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، فلما وصلتهم
رسائله وكانت قد بلغتهم سيرته وعدله؛ فقبلوا وأسلموا، وتسمَّوا بأسماء
عربية.

لم تطل
حياة عمر بن عبد العزيز طويلاً، فقد اختطفته يد المَنُون ولم يتجاوز
الأربعين من عمره، ويبدو أن انهماكه في أمور المسلمين ومتابعة السهر
والعمل في شئون الدولة، وعدم اهتمامه بأمر طعامه وشرابه، قد أثَّر في صحته
فلم يعد جسمه يقوى على المقاومة والاحتمال. وقد تُوفِّي عمر بن عبد العزيز
في شهر رجب سنة 101هـ، وتولى الخلافة بعده ابن عمه يزيد بن عبد الملك.

*مروان بن الحكم
كانت
هذه هي مميزات عهد القوة في الدولة الأموية، أمّا عهد الفتنة الذي تخلَّل
عهدي القوة فقد بدأ بموت يزيد بن معاوية، ثم تنازل ابنه معاوية بن يزيد عن
الخلافة؛ لرفضه مبدأ التوريث، واعتزاله الكامل في بيته حتى توفي بعد أيام
أو أشهر، ومن هنا حدث فراغ في الحكم أسفر عن العديد من الصراعات بين أجنحة
البيت الأموي بينهم وبين بعض، في الوقت الذي

أعلن
عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما نفسه خليفةً، وبايعه أغلب الولايات
الإسلامية؛ حتى استطاع الأمويون الاتفاق فيما بينهم، وبايعوا مروان بن
الحكم بالخلافة في مؤتمر الجابية في ذي القعدة سنة 64هـ.

كان
مروان بن الحكم من سادات قريش وفضلائها، وقد قاتل يوم الدار قتالاً
شديدًا، وقَتَلَ بعض الخوارج، وكان على الميسرة يوم الجمل، وكان علي بن
أبي طالب رضي الله عنه يكثر السؤال عن مروان حين انهزم الناس يوم الجمل،
يخشى عليه من القتل، فلما سُئِلَ عن ذلك قال: إنه يعطفني عليه رحم ماسَّة،
وهو سيد من شباب قريش.

بعد
أن استقرت الأمور لمروان في بلاد الشام، توجه نحو مصر لاستردادها من
الزبيريين، فدانت له بالطاعة، وأقام مروان بن الحكم في مصر نحو شهرين ثم
غادرها في أول رجب سنة 65هـ بعد أن وطَّد أمورها وأعادها ثانية للحكم
الأموي، كما ولَّى عليها ابنه عبد العزيز وزوَّده بالنصائح المهمة، ثم قفل
راجعًا إلى بلاد الشام.

*عبد الملك بن مروان
وقد
توفي مروان بن الحكم بدمشق لثلاثٍ خلون من شهر رمضان سنة 65هـ، وهو ابن
ثلاث وستين سنة، وذلك بعد عودته من مصر، وتولى ابنه عبد الملك الخلافة من
بعده.

كانت شرعية
خلافة عبد الملك بن مروان – وما زالت – محل خلاف بين علماء المسلمين، إذ
في حين يعتبرها بعضهم شرعية، وأنه هو الخليفة الشرعي، يراها كثير منهم غير
شرعية؛ لأن أغلب المسلمين قد بايعوا ابن الزبير قبله، فضلاً عن أفضلية عبد
الله بن الزبير الصحابي الجليل عليه، وحسب هذا الرأي يُعتَبَر عبد الملك
خارجًا على الخليفة الشرعي. ومن العلماء من توسَّط في الأمر كالسيوطي،
فاعتبر ابن الزبير الخليفة الشرعي، فلما قُتِل صحت خلافة عبد الملك.

*الحجاج يضرب الحرم بالمجانيق
كانت
بداية الحكم صعبةً على عبد الملك؛ إذ واجه ثورات عديدة، كان أهمها ثورة
التوابين، والتي استطاع أن يقضي عليها في معركة غير متكافئة في عين
الوردة، قُتِلَ فيها معظم التوابين، وزعيمهم سليمان بن صرد، وكان ذلك في
ربيع الآخر سنة 65هـ، ثم واجه ثورة المختار الثقفي، وتمكن المختار من
هزيمة عبيد الله بن زياد وقتله، فتريث عبد الملك في مواجهته مرةً أخرى،
وترك لابن الزبير تلك المهمة حتى يُضعِف الطرفين، وبالفعل حاصره مصعب بن
الزبير في قصره بالكوفة، وقتله سنة 67هـ. بعد ذلك حانت المواجهة بين عبد
الملك وعبد الله بن الزبير، وتمكن عبد الملك من الانتصار ع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mido real love
عضو في الادارة ومشرف مميز لمنتدى الافـــــــــــلام واهلاوى متعــــــــــصب جداااا
عضو في الادارة ومشرف مميز لمنتدى الافـــــــــــلام واهلاوى متعــــــــــصب جداااا
mido real love


ذكر
عدد الرسائل : 19575
تاريخ الميلاد : 25/09/1989
العمر : 35
الحالة : LoNlEy4EvEr
Loisirs : you always steel in my heart
نشاط العضو :
التاريخ ببساطة(شامل) Left_bar_bleue70 / 10070 / 100التاريخ ببساطة(شامل) Right_bar_bleue

تاريخ التسجيل : 25/07/2009

التاريخ ببساطة(شامل) Empty
مُساهمةموضوع: المماليك   التاريخ ببساطة(شامل) I_icon_minitime12/12/2009, 16:34


اولا مقدمة
نشأة المماليك
مقدمة

تعتبر
فترة حكم المماليك من الفترات التاريخية المجهولة عند كثير من المسلمين،
بل عند كثير من مثقفي المسلمين، وذلك قد يكون راجعاً لعدة عوامل.. ولعل من
أهم هذه العوامل أن الأمة الإسلامية في ذلك الوقت كانت قد تفرقت تفرقاً
كبيراً، حتى كثرت جداً الإمارات والدويلات، وصغر حجمها إلى الدرجة التي
كانت فيها بعض الإمارات لا تتعدى مدينة واحدة فقط!!.. وبالتالي فدراسة هذه
الفترة تحتاج إلى مجهود ضخم لمتابعة الأحوال في العديد من الأقطار
الإسلامية.
ومن العوامل التي أدت إلى جهل المسلمين بهذه الفترة أيضاً: كثرة الولاة
والسلاطين في دولة المماليك ذاتها، ويكفي أن نشير إلى أن دولة المماليك
الأولى ـ والمعروفة باسم دولة المماليك البحرية (وسنأتي إلى تعريف ذلك
الاسم لاحقاً إن شاء الله) ـ حكمت حوالي 144 سنة، وفي خلال هذه الفترة حكم
29 سلطانًا!.. وذلك يعني أن متوسط حكم السلطان لم يكن يتعدى خمس سنوات..
وإن كان بعضهم قد حكم فترات طويلة، فإن الكثير منهم قد حكم عاماً أو عامين
فقط!.. أضف إلى ذلك كثرة الانقلابات والاضطرابات العسكرية في فترة حكم
المماليك، فقد قتل من الـسلاطين التسعة والعشرون عشرة، وخُلع اثنا عشر!!..
وهكذا كانت القوة والسلاح هي وسيلة التغيير الرئيسية للسلاطين، وسارت
البلاد على القاعدة التي وضعها أحد سلاطين الدولة الأيوبية (قبل المماليك)
وهو السلطان "العادل الأيوبي"، والتي تقول: "الحكم لمن غلب"!!..
ولعل من أهم أسباب عدم معرفة كثيرين بدولة المماليك هو تزوير التاريخ
الإسلامي، والذي تولى كبره المستشرقون وأتباعهم من المسلمين المفتونين
بهم, والذين شوهوا تاريخ المماليك لإنجازاتهم المشرقة والهامة؛ والتي كان
منها: وقوفهم سداً منيعاً لصد قوتين عاتيتين من قوى الشر التي حاولت هدم
صرح الإسلام، وهما التتار والصليبيون، وكان للمماليك جهاد مستمر ضد هاتين
القوتين، وعلى مراحل مختلفة، وظلت دولة المماليك تحمل راية الإسلام في
الأرض قرابة ثلاثة قرون، إلى أن تسلمت الخلافة العثمانية القوية راية
المسلمين..
وأنا لست في هذا الكتاب بصدد الشرح والتفصيل لأخبار دولة المماليك، فإن
هذا يطول البحث فيه، ولكني سأفرد إن شاء الله كتابين كاملين سأشرح فيهما
بالتفصيل نشأة المماليك، وقصة دولتهم وجهادهم..
أما الكتاب الأول فسيكون عن الحروب الصليبية، وسأتحدث فيه إن شاء الله عن
تاريخ الحملات الصليبية على العالم الإسلامي، ودور آل زنكي، ثم الدولة
الأيوبية، ثم نشأة المماليك، ودورهم في صد هذه الحملات الصليبية..
وأما الكتاب الثاني فسيكون عن دولة المماليك ذاتها من البداية إلى النهاية..
لكني في هذا الفصل سأحاول أن أمر باختصار شديد على الأحداث التي أدت إلى
ظهور دولة المماليك، والتي كانت تحكم مصر في الوقت الذي وصل فيه التتار
إلى الشام، وذلك خلال اجتياحهم للعالم الإسلامي..


التاريخ ببساطة(شامل) Wol_error هذه الصورة تم تصغيرها . أضغظ على الشريط الاصفر لعرضها بالكامل. The original image is sized 675x483.
التاريخ ببساطة(شامل) 2eN03723

الدولة الأيوبية

لكي نفهم هذه الفترة بوضوح لابد من العودة إلى الوراء قليلاً لمتابعة الأحداث من بدايتها..
لقد أسَّسَ البطل الإسلامي العظيم صلاح الدين الأيوبي دولة الأيوبيين في
سنة 569 هجرية، وظل يحكم هذه الدولة عشرين سنة إلى سنة 589 هجرية، ووحد في
هذه الفترة مصر والشام، وتزعم الجهاد ضد الممالك الصليبية باقتدار، وحقق
عليهم انتصارات هائلة، والتي من أشهرها موقعة حطين الخالدة في ربيع الثاني
سنة 583 هجرية، وفتح بيت المقدس بعد حطين بثلاثة شهور فقط في رجب من نفس
السنة، وترك صلاح الدين الأيوبي رحمه الله دولة قوية عظيمة تبسط سيطرتها
على مصر والشام والحجاز واليمن وأعالي العراق وأجزاء من تركيا وأجزاء من
ليبيا والنوبة.. وحُصر الصليبيون في ساحل ضيق على البحر الأبيض المتوسط في
الشام.
لكن ـ سبحان الله ـ بوفاة صلاح الدين الأيوبي رحمه الله تقلص دور الجهاد
ضد الصليبيين، وفُتن المسلمون بالدولة الكبيرة، وكثرت الأموال، وانفتحت
الدنيا، واتسعت البلاد، وكان من جراء هذه العوامل وغيرها أن حدثت انقسامات
شديدة في الدولة الأيوبية، وتفككت الدولة الأيوبية بعد وفاة صلاح الدين
الأيوبي رحمه الله..
ولسنا بصدد التفصيل في هذه الخلافات والصراعات والاستقلالات، فسنفصل فيها
إن شاء الله عند الحديث عن الحملات الصليبية في كتاب الحروب الصليبية،
ولكن نذكر هنا أن الصراع بين أمراء الأيوبيين استمر نحو ستين سنة متصلة
منذ موت صلاح الدين الأيوبي في سنة 589 هجرية، وإلى انتهاء الدولة
الأيوبية في سنة 648 هجرية، ولم يكن هذا الصراعُ صراعَ كلام وسباب وشقاق
فقط.. بل كان يصل إلى حد التقاتل بالسيوف، وإراقة الدماء المسلمة، وأدى
ذلك بالطبع إلى الفُرقة الشديدة، والتشرذم المقيت.. بل كان يصل أحياناً
الخلاف وانعدام الرؤية إلى درجة التعاون مع الصليبيين ضد المسلمين!! أو
التعاون مع التتار ضد المسلمين!! وكل هذا من جراء الوقوع تحت فتنة الدنيا
الرهيبة التي طالما حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم..
روى ابن ماجة والطبراني وابن حبان بإسناد صحيح عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته
من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره، وجعل
غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة"..
صدقت ـ والله ـ يا رسول الله..
لقد جعل صلاح الدين الأيوبي رحمه الله الجهاد نصب عينيه، وجعل له هدفاً
واحداً هو قتال الصليبيين، وإعلاء كلمة الدين، فجمع الله عليه أمره، وجعل
غناه في قلبه، وأتته الدنيا ـ فعلاً ـ وهي راغمة..
أما معظم السلاطين الذين جاءوا من بعده فقد جعلوا الدنيا أكبر همهم، فتفرق
عليهم الأمر تماماً، فما عادوا يدركون الصواب من الخطأ، ولا الحق من
الباطل، فتارة مع المسلمين، وتارة مع الصليبيين، وتارة مع التتار، فجعل
الله عز وجل فقرهم بين أعينهم، فمنهم من مات ذليلاً، ومنهم من مات فقيراً،
ومنهم من مات طريداً، ومنهم من مات حبيساً..
كان هذا هو واقع المسلمين في معظم الفترة التي تلت حكم البطل الكبير صلاح الدين الأيوبي رحمه الله..


عز الدين أيبك
وضعت
شجرة الدرّ كل هذه الأمور في ذهنها، ومن ثم اختارت رجلاً من المماليك
اشتهر بينهم بالعزوف عن الصراع، والبعد عن الخلافات، والهدوء النسبي،
وكلها صفات حميدة في نظر شجرة الدر، فوجدت في هذا الرجل ضالتها.. وكان هذا
الرجل هو "عزّ الدين أيبك التركماني الصالحي".. وهو من المماليك الصالحية
البحرية.. أي من مماليك زوجها الراحل الملك الصالح نجم الدين أيوب.. ولم
تختر شجرة الدرّ رجلاً من المماليك الأقوياء أمثال فارس الدين أقطاي أو
ركن الدين بيبرس، وذلك لتتمكن من الحكم بلا منازع..
وبالفعل تزوجت شجرة الدرّ من عز الدين أيبك، ثم تنازلت له عن الحكم كما
رسمت، وذلك بعد أن حكمت البلاد ثمانين يوماً فقط، وتم هذا التنازل في
أواخر جمادى الثاني من نفس السنة.. سنة 648 هجرية.. وهكذا في غضون سنة
واحدة فقط جلس على كرسي الحكم في مصر أربعة ملوك.. وهم الملك الصالح أيوب
رحمه الله ثم مات، فتولى توران شاه ابنه ثم قتل، فتولت شجرة الدرّ ثم
تنازلت، فتولى عزّ الدين أيبك التركماني الصالحي!..
وتلقب عزّ الدين أيبك "بالملك المعز"، وأخذت له البيعة في مصر..
وكأن الله سبحانه - بهذه الأحداث – أراد أن يمهّد عقول المصريين لقبول فكرة صعود المماليك إلى كرسي الحكم..
وقبل الشعب في مصر بالوضع الجديد.. فهو ـ وإن لم يكن مثالياً في رأيهم ـ
إلا أنه أفضل حالاً من تولي امرأة، كما أن البديل من الأيوبيين في مصر غير
موجود، والبديل من الأيوبيين في الشام غير موجود أيضاً؛ فأمراء الأيوبيين
في الشام كانوا في غاية الضعف والسوء والعمالة والخيانة.. وقد مرّ بنا قبل
ذلك تخاذلهم وتعاونهم مع التتار، وكذلك تخاذلهم وتعاونهم مع الصليبيين..
واستقر الوضع نسبياً في مصر بزعامة عزّ الدين أيبك، والذي يعتبر أول حاكم
مملوكي في مصر، وإن كان بعض المؤرخين يعتبر أن شجرة الدرّ هي أولى
المماليك في حكم مصر لأنها أصلاً مملوكة أو جارية.
وبدأت شجرة الدرّ تحكم من وراء الستار ـ كما أرادت ـ، وهي مؤيدة بالمماليك
القوية، وخاصة ـ كما ذكرنا ـ فارس الدين أقطاي وركن الدين بيبرس..
ولكن يبدو أن ذكاء شجرة الدرّ قد خانها عند اختيار ذلك الرجل؛ فالملك
المعز عزّ الدين أيبك لم يكن بالضعف الذي تخيلته شجرة الدرّ ولا المماليك
البحرية، فقد أدرك الملك الجديد من أول لحظة مرامي الملكة المتنازلة عن
العرش، وعرف خطورة إخوانه من المماليك البحرية في مصر وقوتهم، فبدأ يرتب
أوراقه من جديد، ولكن في حذر شديد..
كان الملك المعز عزّ الدين أيبك من الذكاء بحيث إنه لم يصطدم بشجرة الدرّ
ولا بزعماء المماليك البحرية في أول أمره.. بل بدأ يقوي من شأنه، ويعد
عدته تدريجياً، فبدأ يشتري المماليك الخاصة به، ويعد قوة مملوكية عسكرية
تدين له هو شخصياً بالولاء، وانتقى من مماليك مصر من يصلح لهذه المهمة،
وكوّن ما يعرف في التاريخ "بالمماليك المعزية" نسبة إليه (المعز عز الدين
أيبك)، ووضع على رأس هذه المجموعة أبرز رجاله، وأقوى فرسانه، وأعظم أمرائه
مطلقاً وهو "سيف الدين قطز" رحمه الله..
وكان هذا هو أول ظهور تاريخي للبطل الإسلامي الشهير: سيف الدين قطز، فكان
يشغل مركز قائد مجموعة المماليك الخاصة بالملك المعز عز الدين أيبك..
وسيأتي إن شاء الله حديث قريب عن قطز رحمه الله وعن أصله..
ومع أن الملك المعز عزّ الدين أيبك نفسه من المماليك البحرية إلا أنه بدأ
يحدث بينه وبينهم نفور شديد.. أما هو فيعلم مدى قوتهم وارتباطهم بكلمة
زوجته شجرة الدرّ التي لا تريد أن تعامله كملك بل "كصورة ملك".. وأما هم
فلا شك أن عوامل شتى من الغيرة والحسد كانت تغلي في قلوبهم على هذا
المملوك صاحب الكفاءات المحدودة في نظرهم الذي يجلس الآن على عرش مصر،
ويُلقب بالملك.. أما هم فيلقبون بالمماليك.. وشتان!!..
لكن الملك الذكي المعز عزّ الدين أيبك لم يُستفز مبكراً.. بل ظل هادئاً يعد عدته في رزانة، ويكثر من مماليكه في صمت..
ومرت الأيام، وحدث أن تجمعت قوى الأمراء الأيوبيين الشاميين لغزو مصر،
وذلك لاسترداد حكم الأيوبيين بها.. وكانت الشام قد خرجت من حكم ملك مصر
بعد وفاة توران شاه مباشرة.. والتقى معهم الملك المعز عزّ الدين أيبك
بنفسه في موقعة فاصلة عند منطقة تسمى "العباسية" وهي تقع على بعد حوالي
عشرين كيلومترًا شرقي الزقازيق الآن، وذلك في العاشر من ذي القعدة سنة 648
هجرية، أي بعد أربعة شهور فقط من حكمه، وانتصر الملك المعز عزّ الدين أيبك
على خصومه انتصاراً كبيراً، ولا شك أن هذا الانتصار رفع أسهمه عند الشعب
المصري، وثبت من أقدامه على العرش..
وفي سنة 651 هجرية (بعد 3 سنوات من حكم أيبك) حدث خلاف جديد بين أمراء
الشام والملك المعز عز الدين أيبك، ولكن قبل أن تحدث الحرب تدخل الخليفة
العباسي المستعصم بالله ـ وهذه نقطة تحسب له ـ للإصلاح بين الطرفين، وكان
من جراء هذا الصلح أن دخلت فلسطين بكاملها حتى الجليل شمالاً تحت حكم مصر،
فكانت هذه إضافة لقوة الملك المعز عز الدين أيبك، ثم حدث تطور خطير لصالحه
وهو اعتراف الخليفة العباسي بزعامة الملك المعز عزّ الدين أيبك على مصر،
والخليفة العباسي ـ وإن كان ضعيفاً، وليست له سلطة فعلية ـ إلا أن اعترافه
يعطي للملك المعز صبغة شرعية هامة..


بين أيبك وأقطاي

كل
هذه الأحداث مكنت الملك المعز عزّ الدين أيبك من التحكم في مقاليد الأمور
في مصر، ومن ثم زاد نفور زعماء المماليك البحرية منه، وبخاصةٍ فارس الدين
أقطاي الذي كان يبادله كراهية معلنة، لا يخفيها بل يتعمد إبرازها.. فكما
يقول "المقريزي" في كتابه "السلوك لمعرفة دول الملوك": "لقد بالغ فارس
الدين أقطاي في احتقار أيبك والاستهانة به، بحيث كان يناديه باسمه مجرداً
من أي ألقاب"، وهذا يعكس اعتقاد فارس الدين أقطاي أن هذا الملك صورة لا
قيمة لها، وتخيل قائد الجيش ينادي الملك هكذا: يا أيبك.. ولا يناديه هكذا
صداقة بل احتقاراً..
هذه المعاملة من أقطاي، وإحساس أيبك من داخله أن المماليك البحرية ـ وقد
يكون الشعب ـ ينظرون إليه على أنه مجرد "زوج" للملكة المتحكمة في الدولة..
هذا جعله يفكر جدياً في التخلص من أقطاي ليضمن الأمان لنفسه، وليثبت قوته
للجميع.. وهكذا لا يحب الملوك عادة أن يبرز إلى جوارهم زعيم يعتقد الشعب
في قوته أو حكمته..
انتظر أيبك الفرصة المناسبة، إلى أن علم أن أقطاي يتجهز للزواج من إحدى
الأميرات الأيوبيات، فأدرك أن أقطاي يحاول أن يضفي على نفسه صورة جميلة
أمام الشعب، وأن يجعل له انتماءً واضحاً للأسرة الأيوبية التي حكمت مصر
قرابة ثمانين سنة، وإذا كانت شجرة الدرّ حكمت مصر لكونها زوجة الصالح
أيوب، فلماذا لا يحكم أقطاي مصر لكونه زوجاً لأميرة أيوبية، فضلاً عن قوته
وبأسه وتاريخه وقيادته للجيش في موقعة المنصورة الفاصلة؟!..
هنا شعر الملك المعز عزّ الدين أيبك بالخطر الشديد، وأن هذه بوادر انقلاب
عليه، والانقلاب عادة يكون بالسيف، فاعتبر أن ما فعله أقطاي سابقاً من
إهانة واحتقار، وما يفعله الآن من زواج بالأميرة الأيوبية ما هو إلا
مؤامرة لتنحية أيبك عن الحكم، ومن ثم أصدر أيبك أوامره "بقتل" زعيم
المماليك البحرية فارس الدين أقطاي.. لأنه "ينوي" الانقلاب!!!..
وبالفعل تم قتل فارس الدين أقطاي بأوامر الملك المعز، وبتنفيذ المماليك المعزية، وتم ذلك في 3 شعبان سنة 652 هجرية..
وبقتل فارس الدين أقطاي خلت الساحة لعز الدين أيبك، وبدأ يظهر قوته، ويبرز
كلمته، وبدأ دور الزوجة شجرة الدرّ يقل ويضمحل؛ فقد اكتسب الملك المعز
الخبرة اللازمة، وزادت قوة مماليكه المعزية، واستقرت الأوضاع في بلده،
فرضي عنه شعبه، واعترف له الخليفة العباسي بالسيادة، ورضي منه أمراء الشام
الأيوبيون بالصلح..
وبقتل فارس الدين أقطاي انقسم المماليك إلى حزبين كبيرين متنافرين:
المماليك البحرية الذين يدينون بالولاء لشجرة الدر، والمماليك المعزية
الذين يدينون بالولاء للملك المعز عزّ الدين أيبك..
وحيث إن فارس الدين أقطاي نفسه ـ وهو أكبر المماليك البحرية قدراً،
وأعظمهم هيبة ـ قد قُتل، فاحتمال قتل بقية زعماء المماليك البحرية أصبح
قريباً.. وبات المماليك البحرية في توجس وريبة.. وما استطاعت زعيمتهم شجرة
الدرّ أن تفعل لهم شيئاً، وهنا قرر زعماء المماليك البحرية الهروب إلى
الشام خوفاً من الملك المعز عز الدين أيبك، وكان على رأس الهاربين ركن
الدين بيبرس، الذي ذهب إلى الناصر يوسف، هذا الخائن الذي كان يحكم حلب ثم
دمشق، ودخل ركن الدين بيبرس في طاعته..
وهكذا صفا الجو في مصر تماماً للملك المعز عز الدين أيبك، وإن كان العداء
بينه وبين المماليك البحرية قد خرج من مرحلة الشكوك والتوقعات وأصبح
معلناً وصريحاً، و من جديد توسط الخليفة العباسي المستعصم بالله ليضمن
استقرار الأوضاع في مصر والشام، لأن انضمام المماليك البحرية إلى الأمراء
الأيوبيين بالشام قد يشعل نار الفتنة من جديد بين مصر والشام، ونجحت وساطة
الخليفة العباسي، واتفقوا على أن يعيش المماليك البحرية في فلسطين التي
كانت تابعة للملك المعز، ويبقى الملك المعز في مصر، إلا أن ركن الدين
بيبرس ـ زعيم المماليك البحرية الآن بعد قتل فارس الدين أقطاي ـ آثر أن
يبقى في دمشق عند الناصر يوسف الأيوبي..


شجرة الدرّ تحترق!!
مرت
السنوات، والملك المعز عزّ الدين أيبك مستقر في عرشه، وقد أصبح قائده سيف
الدين قطز قائداً بارزاً معروفاً عند الخاصة والعامة، واختفي تقريباً دور
الزوجة الملكة القديمة شجرة الدر، وهذا كله ولاشك جعل الحقد يغلي في قلب
شجرة الدر، ولا شك أن عزّ الدين أيبك كان يبادلها الشعور بالكراهية، فهو
يعلم أنها ما تزوجته إلا لتحكم مصر من خلاله، ولكن أحياناً تأتي الرياح
بما لا تشتهي السفن!..
وجاءت سنة 655 هجرية وقد مرت7 سنوات كاملة على حكم الملك المعز عز الدين
أيبك، وأراد الملك المعز أن يثبت أقدامه على العرش بصورة أكبر، بل وتزايدت
أطماعه جداً في المناطق المجاورة له في فلسطين والشام، ولم تكن له طاقة
على تنفيذ أحلامه بمفرده، فأراد أن يقيم حلفاً مع أحد الأمراء الكبار في
المنطقة ليساعده في ذلك، ولما كانت الخيانة في العهود أمراً طبيعياً في
تلك الآونة، فإنه أراد أن يوثق الحلف برباط غليظ وهو...... الزواج!!..
واختار الملك المعز عزّ الدين أيبك بنت حاكم الموصل الأمير الخائن "بدر
الدين لؤلؤ"، والذي تحدثنا عنه كثيراً، وعن تعاونه المقزز مع التتار..
وعلمت شجرة الدرّ بهذا الأمر فاشتعلت الغيرة في قلبها.. وركبها الهم
والغم، وعلمت أنه لو تم هذا الزواج الجديد فستطوى صفحتها تماماً من
التاريخ، وأعْمَتها الكراهية عن حسن تقدير الأمور، وهي التي اشتهرت
بالحكمة، فلم تقدّر أن زعماء المماليك البحرية قد اختفوا، وأن القوة
الحقيقية الآن في أيدي المماليك المعزّية الذين يدينون بالولاء والطاعة
للملك المعز عز الدين أيبك.. لم تقدّر كل ذلك، وقررت بعاطفة المرأة أن
تقدم على خطوة غير مدروسة، ولكنها مألوفة لديها، فقد فعلتها قبل ذلك مع
توران شاه ابن زوجها السابق، وهي ستفعلها الآن مع زوجها الحالي.. وهذه
الخطوة هي: قتل الزوج الملك المعز: عزّ الدين أيبك.. فليُقتل وليكن ما
يكون!.. هكذا فكرت شجرة الدر!!..
وبالفعل دبرت مؤامرة لئيمة لقتل زوجها الملك، وتم تنفيذ المؤامرة فعلاً في
قصرها في شهر ربيع الأول سنة655 هجرية، ولينتهي بذلك حكم المعز عزّ الدين
أيبك بعد سبع سنوات من الجلوس على عرش مصر، وهكذا تكون شجرة الدرّ قد قتلت
اثنين من سلاطين مصر: توران شاه ثم عز الدين أيبك..
وعلم الجميع بجريمة القتل، وأسرع سيف الدين قطز قائد الجيش والذراع اليمنى
للمعز عز الدين أيبك، ومعه ابن عزّ الدين أيبك من زوجته الأولى وكان اسمه
نور الدين علي.. أسرعا ومعهما فرقة من المماليك المعزية، وألقيا القبض على
شجرة الدرّ..
وطلبت أمّ نور الدين علي وزوجة المعز عزّ الدين أيبك الأولى أن يترك لها
الأمر في التصرف مع ضرتها شجرة الدرّ، وكانت النهاية المأساوية المشهورة،
أن أمرت أمّ نور الدين جواريها أن تُقتل الملكة السابقة "ضرباً
بالقباقيب"!!!..
ولعل هذا هو حادث القتل الوحيد في القصة الذي له خلفية شرعية مقبولة، فقد
قتلت شجرة الدرّ عزّ الدين أيبك دون مبرر معقول.. فليس الزواج من امرأة
أخرى جريمة، وليس الانفراد بالحكم دون الانصياع لحكم الزوجة جريمة، ولذلك
فليس لديها مسوغ شرعي للقتل فكان لابد أن تُقتل.. ولكن المؤكد أن الطريقة
التي قتلت بها لم تكن طريقة شرعية.. بل كانت طريقة نسائية بحتة.. لم يقصد
منها القتل فقط، بل قصد منها الإهانة والتحقير والذل، على نحو ما فُعل
بالخليفة المستعصم بعد ذلك عند سقوط بغداد عندما قتل رفساً بالأقدام!..
وهذه نهايات خاصة جداً يكتبها الله عز وجل لبعض الملوك ممن لم يرع حق الله وحق الشعوب في الدنيا!!..
وبعد مقتل الملك المعز عزّ الدين أيبك ثم مقتل شجرة الدرّ بويع لابن عزّ
الدين أيبك وهو نور الدين علي، والذي لم يكن قد بلغ بعد الخامسة عشر من
عمره، وهذه مخالفة كبيرة جداً ولا شك، ولكن لعله قد وُضع في هذا التوقيت
لكي يوقف النزاع المتوقع بين زعماء المماليك على الحكم.. وتلقب السلطان
الصغير بلقب "المنصور"، وتولى الوصاية الكاملة عليه أقوى الرجال في مصر في
ذلك الوقت وهو سيف الدين قطز قائد الجيش، وزعيم المماليك المعزّية، وأكثر
الناس ولاءً للملك السابق المعزّ عزّ الدين أيبك.. وكانت هذه البيعة لهذا
السلطان الطفل في ربيع الأول من سنة 655 هجرية..
وأصبح الحاكم الفعلي لمصر هو .... سيف الدين قطز رحمه الله..


من هو سيف الدين قطز؟
سيف
الدين قطز هو واحد من أعظم الشخصيات في تاريخ المسلمين.. اسمه الأصلي
"محمود بن ممدود"، وهو من بيت مسلم ملكي أصيل.. وسبحان الله!!.. كم هي
صغيرة تلك الدنيا!!.. فقطز رحمه الله هو ابن أخت جلال الدين
الخوارزمي!!!.. وجلال الدين هو ملك الخوارزميين المشهور، والذي تحدثنا عنه
كثيراً في أوائل هذا الكتاب، والذي قاوم التتار فترة وانتصر عليهم، ثم
هُزم منهم، وفرّ إلى الهند، وعند فراره إلى الهند أمسك التتار بأسرته
فقتلوا معظمهم، واسترقوا بعضهم، وكان محمود بن ممدود أحد أولئك الذين
استرقهم التتار، وأطلقوا عليه اسماً مغولياً هو "قطز"، وهي كلمة تعني
"الكلب الشرس"، ويبدو أنه كانت تبدو عليه من صغره علامات القوة والبأس، ثم
باعه التتار بعد ذلك في أسواق الرقيق في دمشق، واشتراه أحد الأيوبيين،
وجاء به إلى مصر، ثم انتقل من سيد إلى غيره، حتى وصل في النهاية إلى الملك
المعز عزّ الدين أيبك ليصبح أكبر قواده كما رأينا..
ولعلنا نلحظ بوضوح في قصة قطز التدبير العجيب لرب العالمين سبحانه..
فالتتار مكروا بالمسلمين واسترقّوا أحد أطفالهم وباعوه بأنفسهم في دمشق..
ليباع بعد ذلك من واحد إلى واحد ليصل إلى بلد لم يرها قبل ذلك، ولعله لم
يكن يسمح بها في هذه السن الصغيرة.. ليصبح في النهاية ملكًا عليها, وتكون
نهاية التتار الذين قاموا بنقله من أقاصي بلاد المسلمين إلى مصر على يديه
هو بالتحديد!!! وسبحان الذي يدبر بلطف, ويمكر بحكمة, ولا يخفى عليه شيء في
الأرض ولا في السماء.. "ومكروا مكرًا, ومكرنا مكرًا وهم لا يشعرون"..
نشأ قطز رحمه الله ـ كبقية المماليك ـ على التربية الدينية القويمة، وتشبع
بالحمية الإسلامية القوية، وتدرب منذ صغره على فنون الفروسية، وأساليب
القتال، وأنواع الإدارة، وطرق القيادة.. فنشأ شاباً فتياً أبياً محباً
للدين معظماً له.. وكان رحمه الله قوياً صبوراً جلداً.. كل هذا بالإضافة
إلى أنه وُلد في بيت ملكي، فكانت طفولته طفولة الأمراء، وهذا أعطاه ثقة
كبيرة في نفسه، فهو لم يكن غريباً على أمور القيادة والإدارة والحكم، وفوق
كل هذا فإن أسرته قد هلكت تحت أقدام التتار، وهذا ـ ولا شك ـ جعله يفقه
جيداً مأساة التتار.. وليس من رأى كمن سمع..
كل هذه العوامل مجتمعة صنعت من قطز رجلاً ذا طراز خاص جداً.. يستهين
بالشدائد، ولا يرهب أعداءه، وذلك مهما كثرت أعدادهم، أو تفوقت قوتهم..
لقد كان للتربية الإسلامية العسكرية، والتربية على الثقة بالله، والثقة بالدين، والثقة بالنفس أثر كبير في حياة قطز رحمه الله..
نعود إلى الوضع في مصر..
لقد قتل الملك المعز عز الدين أيبك، ثم قتلت بعده زوجته شجرة الدر، ثم
تولى الحكم السلطان الطفل المنصور نور الدين علي بن عز الدين أيبك، وتولى
سيف الدين قطز الوصاية على السلطان الصغير..
وكما أحدث صعود شجرة الدرّ إلى كرسي الحكم قبل ذلك اضطرابات كثيرة في مصر
والعالم الإسلامي، فكذلك أحدث صعود الطفل نور الدين إلى كرسي الحكم نفس
الاضطرابات، وكانت أكثر الاضطرابات تأتي من قبل بعض المماليك البحرية
الذين مكثوا في مصر، ولم يهربوا إلى الشام مع من هرب منها أيام الملك
المعز عز الدين أيبك، وتزعم أحد هؤلاء المماليك البحرية ـ واسمه "سنجر
الحلبي" ـ الثورة، وكان يرغب في الحكم لنفسه بعد مقتل عز الدين أيبك،
فاضطر قطز إلى القبض عليه وحبسه.. كذلك قبض قطز على بعض رءوس الثورات
المختلفة، فأسرع بقية المماليك البحرية إلى الهرب إلى الشام، وذلك ليلحقوا
بزعمائهم الذين فروا قبل ذلك إلى هناك أيام الملك المعزّ، ولما وصل
المماليك البحرية إلى الشام شجعوا الأمراء الأيوبيين على غزو مصر، واستجاب
لهم بالفعل بعض هؤلاء الأمراء، ومنهم "مغيث الدين عمر" أمير الكرك
(بالأردن حالياً) الذي تقدم بجيشه لغزو مصر! وكان أميراً ضعيفاً جداً، ومع
ذلك كان صاحب أطماع أكبر كثيراً من حجمه!.. ووصل مغيث الدين بالفعل بجيشه
إلى مصر، وخرج له قطز فصدّه عن دخول مصر، وذلك في ذي القعدة من سنة 655
هجرية، ثم عاد مغيث الدين تراوده الأحلام لغزو مصر من جديد، ولكن صدّه قطز
مرة أخرى في ربيع الآخر سنة 656 هجرية..
ومن الجدير بالذكر أن هذه المرة الأخيرة التي حاول فيها المغيث عمر
الأيوبي أن يغزو مصر كانت - كما أشرت ـ في شهر ربيع الآخر سنة 656 هجرية،
أي بعد سقوط "بغداد" عاصمة الخلافة الإسلامية بأقلّ من شهرين فقط!!..
فبدلاً من توجيه كل الطاقة إلى قضية التتار إذا به يتوجه لحرب المسلمين!!
إنه مرض الحَوَل السياسي الذي كان منتشرًا في تلك الأيام وفي أي زمان
يبتعد المسلمون فيه عن ربهم!
سقطت بغداد ـ كما مرّ بنا ـ في صفر سنة 656 هجرية، وبدأ هولاكو في الإعداد
لغزو الشام، وحاصر ابنه أشموط ميافارقين بداية من رجب سنة 656 هجرية، وبدأ
هولاكو في التحرك من فارس إلى الشام مروراً بشمال العراق في سنة 657
هجرية، واحتل نصيبين والرها وإلبيرة، واقترب من حلب.. وأصبح واضحاً أن
هولاكو لن يهدأ حتى يسقط الشام بكامله، وبعد الشام لابد أن تكون الخطوة
التالية هي مصر..
وقطز رحمه الله - وإن كان يدير الأمور فعلياً في مصر ـ لكن الذي يجلس على
الكرسي سلطان طفل، ولا شك أن هذا كان يضعف من هيبة الحكم في مصر، ويزعزع
من ثقة الناس بملكهم، ويقوي من عزيمة الأعداء إذ يرون الحاكم طفلاً.
وفي ضوء الخطر التتري الرهيب، والمشاكل الداخلية الطاحنة، واضطرابات
وثورات المماليك البحرية، وأطماع الأمراء الأيوبيين الشاميين.. في ضوء كل
ذلك لم يجد قطز رحمه الله أي معنى لأن يبقى السلطان الطفل "نور الدين علي"
على كرسي أهم دولة في المنطقة، وهي مصر، والتي لم يعد هناك أمل في صد
التتار إلا فيها..
هنا اتخذ قطز القرار الجريء، وهو عزل السلطان الطفل نور الدين علي،
واعتلاء قطز بنفسه عرش مصر، ولم يكن القرار غريباً؛ فقطز هو الحاكم الفعلي
للبلاد، والجميع - بمن فيهم السلطان الطفل نفسه - يدركون ذلك تمام
الإدراك، ولكن هناك صورة هزلية مضحكة يتحرك قطز من خلفها، وهي صورة
السلطان الطفل، فما كان من قطز إلا أن رفع هذه الصورة الهزلية ليظهر من
ورائها الأسد الهصور الذي على يديه ستتغير معالم الأرض، وتتغير جغرافية
العالم، وتتغير كثيرٌ من صفحات التاريخ..
حدث هذا الأمر في الرابع والعشرين من ذي القعدة سنة 657 هجرية، أي قبل
وصول هولاكو إلى حلب بأيام.. ومنذ أن صعد قطز رحمه الله إلى كرسي الحكم
وهو يعدّ العدّة للقاء التتار..
وستحدث أحداث جسام على أرض مصر..
وسيُنتهج نهج جديد على ذلك الزمن..
وستُرفع رايات جديدة ما رُفِعت منذ أمد..
وستُجهز جيوش ما جُهّزت منذ أزمان طويلة..
وسيكون اليوم الذي لا يشبهه من أيام الزمان إلا قليل..
كيف سيحدث كل ذلك؟!!
هذا حديث يطول شرحه، وهو موضوع الفصل القادم... "الإعداد لعين جالوت!"..


الملك الصالح نجم الدين أيوب
في
هذه الصفحات سأقفز بكم خمسين سنة من الصراع، وأصل بكم إلى السنوات العشر
الأخيرة من الدولة الأيوبية، وبالتحديد إلى سنة 637 هجرية، وذلك حين تولى
عرش مصر السلطان الأيوبي "الصالح نجم الدين أيوب" أو "الملك الصالح"،
والذي يعد من أفضل السلاطين الأيوبيين بعد صلاح الدين، وللأسف فإن كثيراً
من المسلمين لا يعرفون شيئاً عن هذا السلطان العظيم حتى في مصر، والتي
كانت مقر حكمه الرئيسي..
تولى الملك الصالح أيوب حكم مصر سنة 637 هجرية، وكالعادة الجارية في تلك
الأيام استعدّ الأمراء الأيوبيون في الشام للتقاتل معه على خلافة مصر..
وحدثت بينهم مناوشات وحروب، ووصل الأمر إلى مداه في سنة 641 هجرية عندما
توحدت قوى الأيوبيين المتناثرة في الشام، وتحالفت مع الصليبيين لحرب الملك
الصالح أيوب!!.. وذلك في مقابل أن يتنازل أمراء الشام الأيوبيون عن بيت
المقدس للصليبيين!!!..
والحق أن المرء لا يستطيع أن يتخيل كيف قبل أولئك الأمراء أن يتنازلوا عن
بيت المقدس للنصارى، والمسلم الصادق لا يتخيل التفريط في أي بقعة إسلامية
مهما صغرت، فكيف ببيت المقدس خاصة، والذي به ـ كما يعرف الجميع ـ المسجد
الأقصى، والذي حرَّرَهُ جدهم البطل صلاح الدين رحمه الله من أيدي
الصليبيين، وأريقت في سبيل تحريره دماء كثيرة، ومرت على المسلمين فترات
عصيبة، وحروب مريرة.. لكن - سبحان الله ـ هذا ما حدث بالفعل!..
وتوحدت قوى أمراء الشام الأيوبيين مع الصليبيين في جيش كبير، وبدأ الزحف
في اتجاه مصر.. وهنا أعد الملك الصالح جيشه، ووضع على قيادته أكفأ قادته
وهو ركن الدين بيبرس، واستعد للمواجهة.. وكان الجيش المصري قليلاً وضعيفاً
إذا قورن بالأعداد الكبيرة لجيوش الشام والصليبيين، ولذلك استعان الملك
الصالح بالجنود الخوارزمية الذين كانوا قد فروا من قبل من منطقة خوارزم
بعد الاجتياح التتري لها، والذي فصلنا فيه في الصفحات السابقة..
وكان هؤلاء الجنود الخوارزمية جنوداً مرتزقة بمعنى الكلمة.. بمعنى أنهم
يتعاونون مع من يدفع أكثر، ويعرضون خدماتهم العسكرية في مقابل المال،
فاستعان بهم الملك الصالح أيوب بالأجرة، ودارت موقعة كبيرة بين جيش الملك
الصالح أيوب وبين قوى التحالف الأيوبية الصليبية، وعرفت هذه الموقعة باسم
موقعة غزة، وكانت في سنة 642 هجرية، وكانت هذه الموقعة قد وقعت بالقرب من
مدينة غزة الفلسطينية ـ نسأل الله عز وجل أن يحررها، وأن يحرر كامل فلسطين
إن شاء الله ـ وانتصر فيها الملك الصالح انتصاراً باهراً، وقُتل من
الصليبيين أعداد كبيرة وصلت إلى ثلاثين ألف مقاتل، وأسرت مجموعة كبيرة من
أمرائهم وملوكهم، وكذلك أسرت مجموعة من أمراء الأيوبيين، واستغل الصالح
أيوب الفرصة واتجه إلى بيت المقدس الذي كان الأيوبيون في الشام قد تنازلوا
عنه للصليبيين، فاقتحم حصون الصليبيين، وحرّر المدينة المباركة بجيشه
المدعم بالخوارزمية في سنة 643 هجرية، وبذلك حُرّر بيت المقدس نهائياً،
ولم يستطع جيش نصراني أن يدخله أبداً لمدة سبعة قرون كاملة، إلى أن دخلته
الجيوش البريطانية في الحرب العالمية الأولى في يوم 16 نوفمبر سنة 1917
ميلادية، وذلك بالخيانة المعروفة لمصطفي كمال أتاتورك.. نسأل الله أن
يعيده من جديد إلى الإسلام والمسلمين..
ثم إن الملك الصالح أيوب أكمل طريقه في اتجاه الشمال، ودخل دمشق، ووحّد
مصر والشام من جديد، بل اتجه إلى تحرير بعض المدن الإسلامية الواقعة تحت
السيطرة الصليبية، فحرر بالفعل طبرية وعسقلان وغيرهما..
غير أنه حدث تطور خطير جداً في جيش الصالح أيوب رحمه الله، حيث انشقت عن
جيشه فرقة الخوارزمية المأجورة!.. وذلك بعد أن استمالها أحد الأمراء
الأيوبيين بالشام مقابل دفع مال أكثر من المال الذي يدفعه لهم الصالح
أيوب، ولم تكتف هذه الفرقة بالخروج، بل حاربت الصالح أيوب نفسه، ولم يثبت
معه في هذه الحرب إلا جيشه الأساسي الذي أتى به من مصر، وعلى رأسه قائده
المحنك ركن الدين بيبرس..
وخرج الصالح أيوب من هذه الحرب المؤسفة وقد أدرك أنه لابد أن يعتمد على
الجيش الذي يدين له بالولاء لشخصه لا لماله.. فبدأ في الاعتماد على طائفة
جديدة من الجنود بدلاً من الخوارزمية.. وكانت هذه الطائفة هي: "المماليك"..

.
من هم المماليك؟
المماليك
في اللغة العربية هم العبيد أو الرقيق، وبخاصة هم الذين سُبُوا ولم يُسب
آباؤهم ولا أمهاتهم.. ومفرد المماليك مملوك، وهو العبد الذي يباع ويشترى..
(العبد الذي سُبِي أبواه يعرف بالعبد القن وليس المملوك(..
ومع أن لفظ المماليك بهذا التعريف يعتبر عاماً على معظم الرقيق، إلا أنه
اتخذ مدلولاً اصطلاحياً خاصاً في التاريخ الإسلامي، وذلك منذ أيام الخليفة
العباسي المشهور "المأمون"، والذي حكم من سنة 198 هجرية إلى 218 هجرية،
وأخيه "المعتصم" الذي حكم من سنة 218 هجرية إلى 227 هجرية.. ففي فترة حكم
هذين الخليفتين استجلبا أعداداً ضخمة من الرقيق عن طريق الشراء من أسواق
النخاسة، واستخدموهم كفرق عسكرية بهدف الاعتماد عليهم في تدعيم نفوذهما..
وبذلك ـ ومع مرور الوقت ـ أصبح المماليك هم الأداة العسكرية الرئيسية ـ
وأحياناً الوحيدة ـ في كثير من البلاد الإسلامية.. وكان أمراء الدولة
الأيوبية بوجه خاص يعتمدون على المماليك الذين يمتلكونهم في تدعيم قوتهم،
ويستخدمونهم في حروبهم، لكن كانت أعدادهم محدودة إلى حد ما، إلى أن جاء
الملك الصالح أيوب، وحدثت فتنة خروج الخوارزمية من جيشه، فاضطر رحمه الله
إلى الإكثار من المماليك، حتى يقوي جيشه ويعتمد عليهم، وبذلك تزايدت أعداد
المماليك جداً، وخاصة في مصر..
مصادر المماليك:
كان المصدر الرئيسي للمماليك إما بالأسر في الحروب، أو الشراء من أسواق
النخاسة.. ومن أكثر المناطق التي كان يجلب منها المماليك بلاد ما وراء
النهر، (النهر المقصود هو نهر جيحون، وهو الذي يجري شمال تركمنستان
وأفغانستان، ويفصل بينهما وبين أوزبكستان وطاجكستان)، وكانت الأعراق التي
تعيش خلف هذا النهر أعراق تركية في الأغلب، وكانت هذه المناطق مسرحاً
دائماً للقتال وعدم الاستقرار، ولذلك كثر الأسرى القادمون من هذه المناطق،
وكثرت أسواق الرقيق هناك، ومن أشهر مدن الرقيق في ذلك الوقت كانت "سمرقند"
و"فرغانة" و"خوارزم" وغيرها.. لذلك كان الأصل التركي هو الغالب على
المماليك، وإن كان لا يمنع أن هناك مماليك من أصول أرمينية ومن أصول
مغولية، كما كان هناك مماليك من أصول أوروبية، وكان هؤلاء الأوربيون
يعرفون بالصقالبة، وكانوا يستقدمون من شرق أوروبا بوجه خاص..
كل هذا كان يحدث على مدار عشرات أو مئات السنين، ولكن الأمر الذي استحدثه
الملك الصالح أيوب ـ وتبعه بعد ذلك سلاطين دولة المماليك ـ أنه كان لا
يأتي إلا بالمماليك الصغار في السن، أي في مرحلة الطفولة المبكرة، وكان
غالبهم من بلاد غير مسلمة، وإن كان يحدث أحياناً أن يؤسر بعض الأطفال
المسلمين غير الناطقين بالعربية، فلا يُعرفون، ولا يُعرف أصلهم أو دينهم،
فيعاملون معاملة الرقيق..
تربية المماليك:
وكان الصالح أيوب ـ ومن تبعه من الأمراء ـ لا يتعاملون مع المماليك
كرقيق.. بل على العكس من ذلك تماماً.. فقد كانوا يقربونهم جداً منهم لدرجة
تكاد تقترب من درجة أبنائهم.. ولم تكن الرابطة التي تربط بين المالك
والمملوك هي رابطة السيد والعبد أبداً، بل رابطة المعلم والتلميذ، أو
رابطة الأب والابن، أو رابطة كبير العائلة وأبناء عائلته.. وهذه كلها
روابط تعتمد على الحب في الأساس، لا على القهر أو المادة.. حتى إنهم كانوا
يطلقون على السيد الذي يشتريهم لقب "الأستاذ" وليس لقب "السيد"..
ويشرح لنا المقريزي رحمه الله كيف كان يتربى المملوك الصغير الذي يُشترى وهو ما زال في طفولته المبكرة، فيقول:
"إن أول المراحل في حياة المملوك هي أن يتعلم اللغة العربية قراءة وكتابة،
ثم بعد ذلك يُدفع إلي من يعلمه القرآن الكريم، ثم يبدأ في تعلم مبادئ
الفقه الإسلامي، وآداب الشريعة الإسلامية.. ويُهتم جداً بتدريبه على
الصلاة، وكذلك على الأذكار النبوية، ويُراقب المملوك مراقبة شديدة من
مؤدبيه ومعلميه، فإذا ارتكب خطأً يمس الآداب الإسلامية نُبه إلى ذلك، ثم
عوقب"..
لهذه التربية المتميزة كان أطفال المماليك ينشئون عادة وهم يعظمون أمر
الدين الإسلامي جدًا، وتتكون لديهم خلفية واسعة جداً عن الفقه الإسلامي،
وتظل مكانة العلم والعلماء عالية جداً جداً عند المماليك طيلة حياتهم،
وهذا ما يفسر النهضة العلمية الراقية التي حدثت في زمان المماليك، وكيف
كانوا يقدرون العلماء حتى ولو خالفوهم في الرأي.. ولذلك ظهر في زمان دولة
المماليك الكثير من علماء المسلمين الأفذاذ من أمثال العز بن عبد السلام
والنووي وابن تيمية وابن القيم الجوزية وابن حجر العسقلاني وابن كثير
والمقريزي وابن جماعة وابن قدامة المقدسي رحمهم الله جميعاً، وظهرت أيضاً
غيرهم أعداد هائلة من العلماء يصعب جداً حصرهم..
ثم إذا وصل المملوك بعد ذلك إلى سن البلوغ جاء معلمو الفروسية ومدربو
القتال فيعلمونهم فنون الحرب والقتال وركوب الخيل والرمي بالسهام والضرب
بالسيوف، حتى يصلوا إلى مستويات عالية جداً في المهارة القتالية، والقوة
البدنية، والقدرة على تحمل المشاق والصعاب..
ثم يتدربون بعد ذلك على أمور القيادة والإدارة ووضع الخطط الحربية، وحل
المشكلات العسكرية، والتصرف في الأمور الصعبة، فينشأ المملوك وهو متفوق
تماماً في المجال العسكري والإداري، وذلك بالإضافة إلى حمية دينية كبيرة،
وغيرة إسلامية واضحة.. وهذا كله - بلا شك - كان يثبت أقدام المماليك
تماماً في أرض القتال..
وكل ما سبق يشير إلى دور من أعظم أدوار المربين والآباء والدعاة، وهو
الاهتمام الدقيق بالنشء الصغير، فهو عادة ما يكون سهل التشكيل، ليس في
عقله أفكار منحرفة، ولا عقائد فاسدة، كما أنه يتمتع بالحمية والقوة
والنشاط، وكل ذلك يؤهله لتأدية الواجبات الصعبة والمهام الضخمة على أفضل
ما يكون الأداء..
وفي كل هذه المراحل من التربية كان السيد الذي اشتراهم يتابع كل هذه
الخطوات بدقة، بل أحياناً كان السلطان الصالح أيوب - رحمه الله - يطمئن
بنفسه على طعامهم وشرابهم وراحتهم، وكان كثيراً ما يجلس للأكل معهم، ويكثر
من التبسط إليهم، وكان المماليك يحبونه حباً كبيراً حقيقياً، ويدينون له
بالولاء التام..
وهكذا دائماً.. إذا كان القائد يخالط شعبه، ويشعر بهم، ويفرح لفرحهم،
ويحزن لحزنهم، ويتألم لألمهم، فإنهم - ولاشك - يحبونه ويعظمونه، ولا شك
أيضاً أنهم يثقون به، وإذا أمرهم بجهاد استجابوا سريعاً، وإذا كلفهم أمراً
تسابقوا لتنفيذه، وبذلوا أرواحهم لتحقيقه.. أما إذا كان القائد في حالة
انفصال عن شعبه، وكان يعيش حياته المترفة بعيداً عن رعيته.. يتمتع بكل
ملذات الحياة وهم في كدحهم يعانون ويتألمون، فإنهم لا يشعرون ناحيته بأي
انتماء.. بل إنهم قد يفقدون الانتماء إلى أوطانهم نفسها.. ويصبح الإصلاح
والبناء في هذه الحالة ضرباً من المستحيل..
وكان المملوك إذا أظهر نبوغاً عسكرياً ودينياً فإنه يترقى في المناصب من
رتبة إلى رتبة، فيصبح هو قائداً لغيره من المماليك، ثم إذا نبغ أكثر أعطي
بعض الإقطاعات في الدولة فيمتلكها، فتدر عليه أرباحاً وفيرة، وقد يُعطى
إقطاعات كبيرة، بل قد يصل إلى درجة أمير، وهم أمراء الأقاليم المختلفة،
وأمراء الفرق في الجيش وهكذا..
وكان المماليك في الاسم ينتسبون عادة إلى السيد الذي اشتراهم.. فالمماليك
الذين اشتراهم الملك الصالح يعرفون بالصالحية، والذين اشتراهم الملك
الكامل يعرفون بالكاملية وهكذا..
وقد زاد عدد المماليك الصالحية، وقوي نفوذهم وشأنهم في عهد الملك الصالح
أيوب، حتى بنى لنفسه قصراً على النيل، وبنى للمماليك قلعة إلى جواره
تماماً.. وكان القصر والقلعة في منطقة الروضة بالقاهرة، وكان النيل يعرف
بالبحر، ولذلك اشتهرت تسمية المماليك الصالحية "بالمماليك البحرية" (لأنهم
يسكنون بجوار البحر) .
وهكذا وطد الملك الصالح أيوب ملكه بالاستعانة بالمماليك الذين وصلوا إلى
أرقى المناصب في جيشه وفي دولته، وتولى قيادة الجيش في عهده أحد المماليك
البارزين اسمه "فارس الدين أقطاي"، وكان الذي يليه في الدرجة هو ركن الدين
بيبرس، فهما بذلك من المماليك البحرية..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mido real love
عضو في الادارة ومشرف مميز لمنتدى الافـــــــــــلام واهلاوى متعــــــــــصب جداااا
عضو في الادارة ومشرف مميز لمنتدى الافـــــــــــلام واهلاوى متعــــــــــصب جداااا
mido real love


ذكر
عدد الرسائل : 19575
تاريخ الميلاد : 25/09/1989
العمر : 35
الحالة : LoNlEy4EvEr
Loisirs : you always steel in my heart
نشاط العضو :
التاريخ ببساطة(شامل) Left_bar_bleue70 / 10070 / 100التاريخ ببساطة(شامل) Right_bar_bleue

تاريخ التسجيل : 25/07/2009

التاريخ ببساطة(شامل) Empty
مُساهمةموضوع: الدوله الايوبيه 1   التاريخ ببساطة(شامل) I_icon_minitime12/12/2009, 16:38

قصة الدولة الأيوبية


التاريخ ببساطة(شامل) Jaj7zr

شكَّلت
الدولة الأيوبية مرحلة مهمة في التاريخ الإسلامي، واضطلعت بمهام عظيمة
وجسيمة في حياة الأمة؛ وكان أمراؤها على قدر المسئولية حينًا، وعلى غير
ذلك أحيانًا أخرى.


تبدأ
قصة الأيوبيين من خلال الدولة الزنكية التي نشئوا من خلالها، وعاشوا في
خدمتها يخدمون الإسلام حينًا، حتى قادتهم الأقدار إلى تولِّي قيادة الجهاد
الإسلامي ضد الصليبيين.

لقد
شكلت أحداث التاريخ الزنكي دولة إسلامية في مرحلة من أشد مراحل التاريخ
الإسلامي حرجًا, إذ تعرض فيها العالم الإسلامي في الشرق الأدنى لهجوم
أوروبي غربي عُرِفَ باسم الحروب الصليبية، في الوقت الذي كان فيه المسلمون
يمرون بحالٍ من التفكك, وأصبح من الواضح أنهم كانوا في أَمَسِّ الحاجة إلى
رجل قوي ينقذهم من حال الفرقة والانقسام, ويوحدهم تحت رايته, ويجمع
طاقاتهم قبل أن ينطلق بهم في خُطًا ثابتة نحو الجهاد.

وقد
اتصفت الحياة السياسية في الشرق الإسلامي قبل مجيء الصليبيين باضطراب
داخلي، شمل كافة الدولة والإمارات الإسلامية؛ ففي الشرق خضعت الخلافة
العباسية لسيطرة السلاجقة الذين تدهور نفوذهم بعد ذلك وتفككت دولتهم,
ودَبَّ النزاع بين أمرائهم حول الاستئثار بالنفوذ والسلطان.

وكانت
الدولة العُبَيْدِيّة (الفاطمية) في مصر تمر بمراحل شيخوختها؛ فينازع
أمراؤُها خلفاءَها, وتجاذبت القوتان السلجوقية والفاطمية بلاد الشام دون
أن تتمكن أي منها من تثبيت نفوذها، وسيطرتها عليها بصورة دائمة أو فعالة.

نتج
عن هذا الوضع المضطرب مناخ مناسب للأمراء المحليين في إقليم الجزيرة وبلاد
الشام, فاستقل كُلٌّ بما تحت يده يعالج مشكلاته وشئونه الخاصة, وخضع
للجانب الذي ارتبطت به مصلحته, وراح يعمل على توسيع أملاكه - إلى ما وراء
حدود إمارته - على حساب جيرانه الأمراء الآخرين في ظل ضعف الرابطة
السياسية بين هذه الكيانات؛ فتوزعت السلطة نتيجة ذلك بين عدد من الأمراء
الطامحين, وتركزت إماراتهم في الموصل, وأنطاكية, والرُّها, وحلب ودمشق,
وبيت المقدس وغيرها، فأضحى لكل واحدة من هذه الوحدات السياسية –
الاجتماعية, كيانها الخاص وذاتيتها المتميزة إلى حد كبير.

وصل
الصليبيون في ظل هذه الظروف القلقة إلى العالم الإسلامي, واندلعت نيران
الحروب الصليبية في الجزيرة وبلاد الشام, ونجحوا في تأسيس أربع إمارات
لاتينية في قلب العالم الإسلامي هي: الرُّها, وأنطاكية, وبيت المقدس,
وطرابلس, مستغلين تدهور نفوذ السلاجقة, وعجز الخلافة العباسية, والدولة
الفاطمية, وتَشَتُّت الإمارات
الإسلامية.


عماد الدين زنكي.. القائد الصلب

أدرك
ما آلت إليه أوضاع العالم الإسلامي في الشرق من تشتت وتدهور, فأخذ على
عاتقه القيام بهذه المهمة، فأسس دولة له في الموصل وحلب, ثم رفع راية
الجهاد ضد الصليبيين لكنه اصطدم بحالة التمزق السياسي التي كانت سائدة في
المنطقة؛ فرأى ضرورة تجميع القوى الإسلامية، وحشد طاقاتها قبل القيام بأية
خطوة إيجابية لمواجهة العدوان الصليبي، فنهض يعمل على ضم هذه القوى
المشتتة.

وبعد
أن خطا خطوات واسعة في هذا السبيل ونجح في ضم شمالي بلاد الشام إلى إمارة
الموصل نهض ليتصدى للصليبيين, ونجح في تحقيق أهم إنجازاته التي بدأ بها
صفحة جديدة في ميزان القوى بين المسلمين والصليبيين في المنطقة, وهي
استعادته إمارة الرها من أيديهم. وكان لهذا النصر أهميته حيث أثبت قدرة
المسلمين على مجابهة الخطر الصليبي، بالإضافة إلى أنه أَمَّنَ حرية
الاتصال بين الموصل وحلب



نور الدين محمود..



ثم
برز نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي كشخصية فذة؛ بدأ من حيث انتهى
والده, وبذل جهدًا مضنيًا في سبيل إثارة الأمة, وبَعْثِ رُوحِ الجهاد
والتضحية بين جميع أفرادها في مناطق الشرق الإسلامي, وقد ورث القسم الغربي
من الدولة الزنكية مع المشكلتين الكبيرتين اللتين واجهتهما, والمتمثلتين
في أتابكة دمشق الذين وقفوا حجر عثرة في وجه عماد الدين زنكي لتحقيق وحدة
المسلمين في بلاد الشام, بالإضافة إلى الإمارات الصليبية المنتشرة في هذه
البلاد.

وبعد
أن نجح نور الدين محمود في توحيد قسمي بلاد الشام الإسلامية: الشمالي
المتمثل بحلب, والجنوبي المتمثل بدمشق وسط هيمنة فعلية على الموصل, انطلق
يجاهد الصليبيين، ويتصدى لتوسعاتهم على حساب المسلمين, ولعل أهم إنجازاته
- إلى جانب تحقيق الوحدة الإسلامية, وجهاد الصليبيين - إسقاط الخلافة
الفاطمية في مصر, وإعادة هذا البلد إلى حظيرة الخلافة العباسية والمذهب
السني


وقد
خلف نور الدين محمود بعد وفاته في عام (569 هـ= 1174 م) ابنه الملك الصالح
إسماعيل الذي لم يكن على مستوى الأحداث بفعل صغر سنه, وافتقاره إلى الخبرة
والتجربة.

وبرز
من جهة أخرى صلاح الدين الأيوبي كَوَارِثٍ طبيعيٍّ، استطاع أن يملأ الفراغ
القيادي الذي ظهر بعد وفاة نور الدين محمود, وبوفاة الملك الصالح إسماعيل
عام (577 هـ= 1181 م) زال هذا القسم من الدولة الزنكية, ودخل في حُكْمِ
صلاح الدين بعد صراع دامٍ مع دولة الموصل.


أصل الأيوبيين


أمّا عن أصول صلاح الدين الأيوبي، فإنَّ الأيوبيين ينتسبون إلى أيوب بن شادي من بلدة (دوين)
الواقعة عند آخر حدود أذربيجان بالقرب من تفليس في أرمينية, وجميع أهل ذلك
البلد من الأكراد. غير أن بعض الأيوبيين حاول أن يبتعد عن الأصل الكردي,
وأن يلتصق بالدم العربي بعامة, وبنسل بني أمية بخاصة, وأنكروا نسبتهم إلى
الأكراد, وقالوا: "إنما نحن عرب؛ نزلنا عند الأكراد, وتزوجنا منهم

لكن صلاح الدين أنكر هذا النسب العربي, وقال: "ليس لهذا الأصل أصلٌ"[3]ادعاء.. ولم يكن العادل الأيوبي أقل إنكارًا من أخيه صلاح الدين لهذا ال
ثم
انتقلت الأسرة من (دوين) في بداية القرن السادس الهجري= الثاني عشر
الميلادي, حين غادر شادي مع ابنيه: نجم الدين أيوب وأسد الدين شيركوه
المنطقة إلى تكريت؛ حيث عينه شحنتها مجاهد الدين بَهْرُوز حاكمًا عليها؛
نظرًا لصلات الصداقة التي تربطهما, ولمَّا تُوُفِّيَ خلفه ابنه نجم الدين
أيوب


صلاح الدين يتولى وزارة مصر


بعد
وفاة نور الدين محمود, اضطربت الأوضاع في بلاد الشام بفعل الخلافات بين
الأمراء؛ فاستغل الصليبيون ذلك, وهاجموا الأراضي الإسلامية؛ مما استدعى
تدخل صلاح الدين, وحتى يعطي تدخله مبررًا شرعيًّا, ويحافظ على ما سوف
يحققه من إنجازات, كتب إلى الخليفة العباسي, يصور له أوضاع بلاد الشام
السياسية المضطربة, وتَوَثُّبَ الصليبيين عندما هاجموا الإسكندرية, وأوضح
له سبب ضم اليمن, بأنه لضرب المهدي المبتدع, وأعقب كل ذلك برجائه من
الخليفة أن يُنْعِمَ عليه بتقليد جامع لمصر والمغرب واليمن والشام, وكل ما
تشتمل عليه ولاية نور الدين محمود, وكل ما يفتحه اللهُ للدولة على يديه؛
فاستجاب الخليفة لمطالبه.

وعلى
الرغم مما توافر له من القوة التي فاقت قوة نور الدين محمود، كان صلاح
الدين بحاجة إلى مساندة الخلافة في صراعه مع الأمراء المسلمين المناوئين,
وبخاصة الزنكيين؛ لذلك كان يُطْلِعَ الخلافة على تحركاته ومنجزاته ليكسب
تأييدها, وحتى لا يُتَّهَم بأنه يقاتل من أجل مطامع شخصية؛ فيخسر مساندة
الخلافة له, ولكي لا يُتَّهَمَ بقتال المسلمين, وترك قتال الصليبيين.

ولكن
في عهد الخليفة أبي العباس أحمد بن المستضيء شعر هذا بالقلق من تحركات
صلاح الدين، وخشي أن يمتد نفوذه حتى عاصمة الخلافة؛ لذا اكتفى بتأييده
ظاهريًّا، وبمساعدات قليلة حتى لا يزيده قوة


عندما
استقر صلاح الدين في منصب الوزارة في مصر أعد نفسه لإحداث تغيير جذري
وشامل داخل مصر في كافة المجالات, وكانت مهمته هي التصدي للمشكلات التي
أثارها مركزه، فرغم أن التناقض الظاهر من وجود وزير سني لدى خليفة فاطمي
لم يكن بالوضع الجديد؛ لأنه طيلة قرن تقريبًا كان هناك وزراء سنيون على
مراحل متقطعة في مصر, لكن حركة الجهاد الإسلامي التي قادها نور الدين
محمود تحت راية دولة الخلافة العباسية, بالإضافة إلى قيام وحدة فَعَّالة
بين بلاد الشام ومصر تقف في وجه الصليبيين، حَتَّمت على نور الدين محمود
وبالتالي صلاح الدين الالتزام بإعادة مصر إلى حظيرة الولاء للعباسيين,
ولكن الضرورة دعته إلى تمهيد السبيل أمام التغيير رغم إلحاح نور الدين
محمود وعتاب الخليفة العباسي؛ لأنه أدرك أن التغيير السريع لا بد أن يولد
ردَّ فعلٍ فوري معاكس لا يمكن تدارك نتائجه

وضَمِنَت
الخطوات التمهيدية العسكرية والاقتصادية والدينية التي نفذها إحكام قبضته
على البلاد. ومع نهاية عام 566 هـ= 1171م وضحت أهداف صلاح الدين بحكم
عقيدته السنية في إسقاط الدولة الفاطمية في مصر, وإقامة الخطبة للعباسيين.




أهداف صلاح الدين الإصلاحية

لم
تكد تمضي أيامٌ على قطع الخطبة للفاطميين حتى توفي العاضد آخر الحكام
الفاطميين, ليلة (العاشر من المحرم = 13 من أيلول)؛ فأمر صلاح الدين
بإرسال الكتب إلى البلاد بوفاته, وإقامة الخطبة رسميًّا للخليفة العباسي
المستضيء بأمر الله, وبذلك يكون صلاح الدين قد وضع نهاية للدولة الفاطمية
في مصر، لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخها عادت فيها هذه البلاد إلى العالم
الإسلامي السُّني؛ لتؤدي تحت قيادة الأيوبيين دورًا مهمًّا في توحيد
الجبهة الإسلامية ومواجهة الصليبيين، كما قام صلاح الدين بجهود كبيرة في
إصلاح الأحوال الاجتماعية في مصر؛ فاهتم ببناء المنشآت كالمستشفيات،
وإصلاح المرافق والطرق، والإنفاق على المرضى والمحتاجين، كما عمل على
توفير الحماية لمصر من خلال بناء قلعة صلاح الدين، لصد الهجمات الآتية من
قِبَل الصحراء.

ورغم ذلك رأى صلاح الدين أنه بحاجة إلى عمل خارجي لتحقيق ثلاثة أهداف:
الأول: توسيع رقعة الدولة الإسلامية.
الثاني: تحصين إنجازاته التي حققها في مصر.
الثالث: تأمين حدود بلاده حتى لا يؤخذ على غِرَّة.
وأسفرت جهوده عن ضم المغرب الأدنى وبلاد النوبة واليمن
أمَّا
في الشام فقد أثارت وفاة نور الدين محمود مشكلة تقسيم دولته الواسعة بين
ورثته؛ مما هدد الوحدة الإسلامية، وكادت هذه المشكلة أن تعود بالمسلمين
إلى حالة التمزق والانقسام التي كانوا عليها قبل أن يبدأ عماد الدين زنكي
جهوده لوضع قاعدة صلبة لتوحيد الجبهة الإسلامية والتصدي للصليبيين، ولم
يكن بين رجال الأسرة الزنكية من يصلح أن يكون خلفًا لنور الدين محمود الذي
لم يترك سوى ابنٍ طفلٍ في الحادية عشرة من عمره اسمه إسماعيل, وابنة
صغيرة, وزوجة هي عصمة الدين خاتون.

اتفق
الأمراء في دمشق بعد مناقشات مستفيضة على تنصيب الصالح إسماعيل ملكًا
خَلَفًَا لوالده, وعيَّنوا شمس الدين محمد بن عبد الملك, المعروف بابن
المقدم قائدًا للجيش, وأتابكًا له, وكتبوا إلى ولاة الأطراف بإقامة
الخُطبة باسمه, وبخاصة صلاح الدين في
مصر.



الاستعداد لمواجهة الصليبين

ثم
أخذ صلاح الدين ينفذ سياسته, في إعادة بناء الجبهة الإسلامية المتحدة بحيث
تمتد من شمالي العراق إلى بلاد الشام فمصر؛ ليتمكن - بعد ذلك - من البدء
في حركة الجهاد الإسلامي ضد الصليبيين, والمسلمون أشد ما يكونون قوةً
وتماسكًا, ثم تابع تقدمه باتجاه الشمال؛ وجرت مفاوضات مع أمراء الزنكيين
أسفرت عن أن يكون لصلاح الدين ما بيده من بلاد الشام, وللحلفاء الزنكيين
ما بأيديهم, وأن تُضافَ إلى أملاكه بعض الأراضي الواقعة شمالي (حَمَاة)
مثل: المَعَرَّة, وكفرطاب, وبعد توقيع الاتفاق رحل صلاح الدين عن حلب.

قام
صلاح الدين بعد ذلك بضم حلب وآمد وسنجار وغيرها من المدن والحصون؛ في
سبيله لإتمام الوحدة التي يستطيع بها مواجهة الصليبيين، وتحرير بيت المقدس.

في
ذات الوقت كانت هناك محاولتان للتخلص من صلاح الدين قام بها طائفة
الحشيشية بالتعاون مع الصليبيين؛ رغبةً من الحشيشية في الانتقام منه
لإسقاطه الدولة العبيدية المنحرفة التي يدينون بدينها، وخوفًا – في نفس
الوقت - من الصليبيين من أن يُتم صلاح الدين وحدة مصر والشام، ثم يفرغ
لمواجهتهم



القبض على صليب الصلبوت

وظل
فرسان الداوية والإسبتارية يقاتلون, في الوقت الذي فقدوا فيه الأمل بأي
انتصار؛ فأمر صلاحُ الدينِ ابن أخيه تقي الدين عمر أن يهجم مع خيَّالته
على الصليبيين الذين تضعضعت صفوفهم, واختل نظام جيشهم, وأشعل المسلمون
خلال ذلك النيران في الأعشاب الجافة والأشواك؛ فحملت الريح لهيبها ودخانها
باتجاه الصليبيين؛ فزادت من معاناتهم, واجتمع عليهم العطش, وحر الزمان,
والنار والدخان والسيوف, وأدى ذلك إلى فرار من بقي منهم من ساحة المعركة
إلى إحدى قرون حطين حيث شاهدوا تقي الدين عمر يقبض على صليب الصلبوت؛
فأُسْقِطَ في أيديهم, وكانت تلك أكبر خسارة تكبدوها.

وتجمع
بعض الفرسان حول خيمة الملك لشن هجوم مضاد, لكن صلاح الدين عاجلهم؛ فاندفع
المسلمون الذين صعدوا إلى التلة التي نُصِبَتْ فيها الخيمة وأنهوا
المعركة, وأسروا كل من كان حول الملك وفيهم الملك نفسه وأخوه, ورينولد
شاتيون صاحب الكَرَك, وجماعة من الداوية والإسبتارية, وكَثَُرَ القتلُ
والأسرُ فيهم





الطريق إلى بيت المقدس
وأضحى
الموقف العسكري شديد الخطورة على مملكة بيت المقدس, وإمارتي طرابلس
وأنطاكية؛ إذ لم يبقَ أمامه - بعد أن دمر أعداءه - إلا أن يفتح حصون الأرض
المقدسة, وبخاصة أنه نتج عن خسارة الصليبيين, الذين ألقوا بكل ثقلهم في
معركة حطين, أن وقع عدد كبير من أمرائهم وقوادهم وفرسانهم في الأسر, وعلى
رأسهم الملك جاي لوزينان, حتى لم يبق لديهم من يصلح للقيادة. يُضَافُ إلى
ذلك أن الغرب الأوروبي لم ينتبه إلى الخطر قبل عام (583 هـ= 1187م)؛ ولذا
فإن احتمال مجيء حملة صليبية سوف يستغرق زمنًا؛ لذلك شرع صلاح الدين يفتح
المدن والحصون الصليبية واحدة بعد أخرى, فتحًا سريعًا ومتواصلاً,
مُرَكِّزًا ضرباته المباشرة على الموانئ المهمة.

والواقع
أن عملية الفتح لم تكن حربًا بالمعنى العسكري المفهوم للكلمة, بل أشبه
بنزهة عسكرية؛ إذ كانت المقاومة ضعيفة, مما سَهَّل للمسلمين الانتشار
والتقدم, فكانت المدينة أو القلعة تسارع إلى الاستسلام لمجرد وصول
المسلمين إليها, وذلك لعدم وجود قوة تدافع عنها, وإذا قاومت فإن مقاومتها
تبدو ضئيلة. وقد قام صلاح الدين في هذا الوقت بفتح قلعة طبرية، وفتح عكا،
ومدن الجليل، والمدن الساحلية
[4].
والواقع أنه لم ينقضِ شهر جُمَادَى الآخرة حتى لم يَبْقَ للنصارى جنوبي
طرابلس سوى صور وعسقلان وغزة, وبضع قلاعٍ معزولة، بالإضافة إلى بيت المقدس.

ويبدو
أن صلاح الدين تخلى عن حذره هذه المرة أيضًا, حين منح الصليبيين - بعد أن
فتح المدن والحصون المشار إليها - حرية البقاء فيها أو الخروج منها، فذهب
معظمهم إلى صور؛ ذلك أنه سرعان ما أدرك أن أمر هذه المدينة غدا صعبًا
فتركها, وآثر الانصراف إلى غيرها؛ فقام بفتح عسقلان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mido real love
عضو في الادارة ومشرف مميز لمنتدى الافـــــــــــلام واهلاوى متعــــــــــصب جداااا
عضو في الادارة ومشرف مميز لمنتدى الافـــــــــــلام واهلاوى متعــــــــــصب جداااا
mido real love


ذكر
عدد الرسائل : 19575
تاريخ الميلاد : 25/09/1989
العمر : 35
الحالة : LoNlEy4EvEr
Loisirs : you always steel in my heart
نشاط العضو :
التاريخ ببساطة(شامل) Left_bar_bleue70 / 10070 / 100التاريخ ببساطة(شامل) Right_bar_bleue

تاريخ التسجيل : 25/07/2009

التاريخ ببساطة(شامل) Empty
مُساهمةموضوع: (الدولة الايوبية)الجزء الثانى   التاريخ ببساطة(شامل) I_icon_minitime12/12/2009, 16:42

فتح بيت المقدس

بعد
أن فرغ صلاح الدين من فتح عسقلان والمدن المجاورة, تطلع إلى تحقيق هدفه
الذي طالما جال بخاطره, وعمل له, وهو تحرير بيت المقدس تمهيدًا لطرد
الصليبيين من المنطقة؛ فأخذ يستعد لتنفيذ هذه الخطوة, وحتى يقطع الطريق
على احتمال هجوم صليبي بحري على الساحل الشامي أثناء حصاره لبيت المقدس؛
أرسل إلى قائد أسطوله في مصر حسام الدين لؤلؤ أن يخرج بأسطوله من مصر
لحماية الشواطئ, وقطع الطريق على مراكب الصليبيين والاستيلاء عليها.

وبذلك
يكون قد ضمن حماية مؤخرة جيشه البري، وأقفل حلقة الحصار على المدينة
المقدسة؛ ومن ثَمَّ دعا أهلَها إلى إرسال وفد للتباحث في الشروط التي
بمقتضاها تستسلم المدينة.

ويبدو
أن سكان بيت المقدس قد أدركوا بعد تساقط المدن والمعاقل الداخلية
والساحلية بيد صلاح الدين, أنهم أضحوا محاصرين فعلاً؛ فأرسلوا إليه وفدًا
اجتمع به أمام عسقلان, فعرض عليهم تسليم المدينة بالشروط نفسها التي
استسلمت بها بقية المدن والمعاقل الصليبية, أي يؤمنهم على أرواحهم ونسائهم
وأولادهم وأموالهم, وأن يسمح لمن يشاء بالخروج من المدينة سالمًا, ولكن
سكان بيت المقدس رفضوا أن يسلموا المدينة، عندئِذٍ أقسم صلاح الدين أنه
سوف ينالها بحد السيف.

ثم
كرر صلاح الدين عرضه على سكان بيت المقدس؛ وذلك رغبة منه في عدم استخدام
العنف مع مدينة لها حرمتها وقدسيتها عند المسلمين والنصارى على السواء,
لكنهم أصروا على موقفهم الرافض؛ عندئذٍ قرر صلاح الدين اقتحام المدينة
عنوة.

واجتمع
داخل المدينة ما بلغ ستين ألفًا بين فارس وراجل سوى النساء والأطفال, بل
إن الصليبيين قاوموا الجيش الأيوبي الزاحف, واستطاعوا قتل أحد الأمراء
وجماعة ممن كانوا معه.

وقد
وصل صلاح الدين إلى المدينة في (15 من رجب عام 583 هـ= 20 من سبتمبر عام
1187م) وعسكر أمام أسوارها الشمالية, والشمالية الغربية, وشرع في مهاجمتها
لكنه جُوبِه باستحكامات هذا الجانب المتينة المشحونة بالمقاتلين، بالإضافة
إلى أشعة الشمس التي كانت تواجه عيون قواته فحجبت عنهم الرؤية الضرورية
للقتال حتى بعد الظهر؛ لذلك طاف حول المدينة مدة خمسة أيام يبحث عن مكان
يصلح للجيش أن يعسكر فيه إلى أن عثر على موضع في الجانب الشمالي نحو
العمود وكنيسة صهيون, حيث الأسوار أقل متانة, فانتقل إلى هذه الناحية في
(20 من رجب = 25 من أيلول), وحين حَلَّ الليلُ بدأ بنصب المجانيق.

وتراشق
الطرفان بقذائف المجانيق، وقاتل أهل بيت المقدس بحميَّة وكذلك المسلمون،
حيث كان كل فريق يرى ذلك دِينًا عليه, وحتمًا واجبًا فلا يحتاج فيه إلى
باعث سلطاني.

ولما
رأى الصليبيون شدة القتال, وشعروا بأنهم أشرفوا على الهلاك؛ عقدوا
اجتماعًا للتشاور، فاتفقوا على طلب الأمان؛ فأرسلوا وفدًا إلى صلاح الدين
من أجل هذه الغاية, واشترطوا احترام مَن في المدينة من الصليبيين, والسماح
لمن يشاء بمغادرتها.

كانت
هذه الشروط هي نفسها التي سبق لصلاح الدين أن عرضها عليهم من قَبْلُ, لكنه
رفض قبولها الآن؛ لأنه أوشك أن يفتح المدينة عَنْوَةً, وقال: لا أفعل بكم
إلا كما فعلتم بأهله حين ملكتموه سنة إحدى وتسعين وأربعمائة من القتل
والسبي، وجزاء السيئة بمثلها.

وازداد
موقف الصليبيين في الداخل سوءًا, وراحوا ينظرون بقلق إلى المصير الذي
ينتظرهم, ولم يسعهم إلا أن يحاولوا مرة أخرى إقناع صلاح الدين بالعفو
عنهم, ولكن صلاح الدين سبق له أن أقسم بأنه سوف يفتح بيت المقدس بحد
السيف, ولن يحله من قسمه سوى إذعان المدينة بدون قيد أو شرط.



في ذكرى الإسراء تم الفتح

وتجاه
هذا الإصرار, وبعد أن استشار مجلس حربه في الموقف, تقرر السماح للصليبيين
بمغادرة المدينة مقابل عشرة دنانير عن الرجل يستوي فيها الغني والفقير,
وخمسة دنانير عن المرأة, ودينارين عن الطفل, ومن يبقَ فيها يقعْ في الأسر,
واشترط أن يُدْفَعَ الفداءُ المفروضُ في مدى أربعين يومًا, ومن لم يُؤَدِّ
فداءَه خلال تلك المدة يصبحْ مملوكًا, لكن تبين أن في المدينة نحو عشرين
ألف فقير ليس بحوزتهم المبلغ المقرر للفداء؛ فوافق صلاحُ الدين أن يدفع
باليان مبلغًا إجماليًّا قدره ثلاثون ألف دينارٍ عن ثمانيةَ عشرَ ألفًا
منهم.

ودخل
صلاح الدين المدينة يوم الجمعة (27 من رجب= 2 من تشرين الأول), وشاءت
الظروف أن يصادف ذلك اليوم في التاريخ الهجري، ذكرى ليلة الإسراء والمعراج.



أصداء فتح بيت المقدس تهز أوروبا

ما
كاد القتال ينتهي في حطين, وتتحقق خسارة الصليبيين, حتى أسرعت الرسل إلى
غرب أوروبا لإعلام ملوكها وأمرائها بما آلت إليه أوضاع الصليبيين في
الشرق, ولم يلبث أن اقتفى أثرهم رسلٌ آخرون عقب فتح بيت المقدس.

والواقع
أن تلك الخسارة وهذا الفتح أحدثا ردَّ فعل عنيف في المجتمع الغربي الذي
ذُعِرَ لنبأ الكارثتين, واعتقد النصارى في الغرب أنهما جاءتا نتيجة
إهمالهم في الاستجابة للاستغاثات المتكررة التي جاءت من مملكة بيت المقدس
في السنوات الأخيرة.

وأدرك
من اجتمع في (صور) من الصليبيين أنه ما لم تصلهم نجدة من الغرب, فإن فرص
الاحتفاظ (بصور) ستتضاءل بعد أن ضاع كل أمل في استعادة المناطق التي
فقدوها, ولم يلبث (كونراد دي مونتفيرات) أن أرسل (جوسياس) رئيس أساقفة
(صور) إلى غرب أوروبا في منتصف عام (583 هـ= أواخر صيف عام 1187م)؛ ليطلب
من البابا وملوك أوروبا وأمرائها النجدة العاجلة.



تنازع أيوبي على السلطة

ترك صلاح الدين بعد وفاته في عام (589 هـ= 1193م) دولة واسعة الأرجاء, وسبعة عشر ولدًا وبنتًا واحدة.
وكان
صلاح الدين - رحمه الله – قد وزَّع خلال حياته السياسية البلاد الواقعة
تحت سيطرته على أفراد عائلته؛ مانحًا إياهم سلطات فعلية لممارسة السيادة؛
فتقاسم هؤلاء التركة الصلاحية بعد وفاته في ظل ما حدث من المؤامرات
والحروب بينهم, إذ أن كلاًّ منهم يطمع في أن يكون نصيبه يضارع نصيب جاره
أو يفوقه, بالإضافة إلى تَزَعُّمِ العائلة الأيوبية.

وقد
أخذت الجبهة الإسلامية في التداعي بعد وفاة صلاح الدين عام (589 هـ=
1193م)، ولم تلبث أن نشبت حرب الوراثة بين أبناء البيت الأيوبي, فاتفق
أمراء الشام على ألا يعترفوا بسيادة العزيز عثمان صاحب مصر الذي اتصف
بالطموح السياسي, وزعم أن له السيادة عليهم جميعًا, وكان هذا الرفض نابعًا
من أهمية دور دمشق في توجيه السياسة الأيوبية, غير أن الأفضل عليّ صاحب
دمشق اتصف بسوء السيرة؛ فقد احتجب عن الرعية, واشتغل بلهوه مما أدى إلى
كراهية الناس له؛ فقد وضع ثقته في وزيره ضياء الدين بن الأثير، فأساء
التصرف في أمور الرعية, وخالف نهج والده في الحكم؛ فأقصى أمراء والده
ومستشاريه بتأثير من وزيره؛ فهرب هؤلاء إلى القاهرة مستنجدين بالعزيز
عثمان الذي رفعهم وأعزهم، فالتفوا من حوله, واعترفوا به زعيمًا على
الأيوبيين.



العادل يعيد توحيد الدولة بنفس الخطأ

مَرَّتْ
الدولة الأيوبية خلال تلك الفترة بعدة تطورات سريعة انتهت بتوحيدها مرة
أخرى تحت زعامة العادل أخي صلاح الدين بعد صراعات طويلة بين أبناء صلاح
الدين فيما بينهم، وبينهم من جهة وبين عمهم العادل من جهة أخرى.

وهكذا
أعاد العادل توحيد الدولة الأيوبية تحت سلطانه, ولكنه ارتكب الخطأ نفسه
الذي ارتكبه صلاح الدين عندما وَزَّعَ إرثه بين أولاده وإخوته؛ مما أَدَّى
إلى إضعاف الأيوبيين؛ لأن هذا التوزيع سَبَّبَ التنافر والتحاسد بين
الإخوة, وأعاد من جديد المأساة التي حدثت بعد وفاة صلاح الدين



نجم الدين أيوب

نقفز
خمسين سنة من الصراع، ونصل إلى السنوات العشر الأخيرة من الدولة الأيوبية،
وبالتحديد إلى سنة 637 هجرية، وذلك حين تولى عرش مصر السلطان الأيوبي
(الصالح نجم الدين أيوب)،أو (الملك الصالح)، والذي يُعَدُّ من أفضل
السلاطين الأيوبيين بعد صلاح الدين.

لقد
تولى الملك الصالح أيوب حكم مصر سنة 637 هجرية، وكالعادة الجارية في تلك
الأيام استعدَّ الأمراء الأيوبيون في الشام للتقاتل معه على خلافة مصر،
وحدثت بينهم مناوشات وحروب، وبلغ الأمر مداه في سنة 641 هجرية عندما توحدت
قوى الأيوبيين المتناثرة في الشام، وتحالفت مع الصليبيين لحرب الملك
الصالح أيوب!! وذلك في مقابل أن يتنازل أمراء الشام الأيوبيون عن بيت
المقدس للصليبيين!!

وتوحدت
قوى أمراء الشام الأيوبيين مع الصليبيين في جيش كبير، وبدأ الزحف في اتجاه
مصر فأعد الملك الصالح جيشه، ووضع على قيادته أكفأ قادته وهو ركن الدين
بيبرس، واستعد للمواجهة، وكان الجيش المصري قليلاً وضعيفًا إذا قورن
بالأعداد الكبيرة لجيوش الشام والصليبيين؛ ولذلك استعان الملك الصالح
بالجنود الخوارزمية الذين كانوا قد فَرُّوا من قَبلُ من منطقة خوارزم بعد
الاجتياح التتري لها, وكان هؤلاء الجنود الخوارزمية جنودًا مرتزقة بمعنى
الكلمة؛ بمعنى أنهم يتعاونون مع من يدفع أكثر، ويعرضون خدماتهم العسكرية
في مقابل المال؛ فاستعان بهم الملك الصالح أيوب بالأجرة، ودارت موقعة
كبيرة بين جيش الملك الصالح أيوب وبين قوى التحالف الأيوبية الصليبية،
وعُرِفَت هذه الموقعة باسم موقعة غزة، وكانت في سنة 642هجرية، وانتصر فيها
الملك الصالح انتصارًا باهرًا، وقُتِلَ من الصليبيين أعدادٌ كبيرة وصلت
إلى ثلاثين ألف مقاتل، وأُسِرَت مجموعةٌ كبيرة من أمرائهم وملوكهم، وكذلك
أُسِرَت مجموعةٌ من أمراء الأيوبيين، واستغل الصالح أيوب الفرصة, واتجه
إلى بيت المقدس الذي كان الأيوبيون في الشام قد تنازلوا عنه للصليبيين،
فاقتحم حصون الصليبيين، وحرَّرَ المدينة المباركة بجيشه المدعم
بالخوارزمية في سنة 643 هجرية، وبذلك حُرِّرَ بيتُ المقدسِ نهائيًّا، ولم
يستطع جيش نصراني أن يدخله أبدًا لمدة سبعة قرون كاملة، إلى أن دخلته
الجيوش البريطانية في الحرب العالمية الأولى في يوم 16مننوفمبر سنة 1917
ميلادية، وذلك بالخيانة المعروفة لمصطفى كمال أتاتورك.

ثم
إن الملك الصالح أيوب أكمل طريقه في اتجاه الشمال، ودخل دمشق، ووحَّد مصر
والشام من جديد، بل اتجه إلى تحرير بعض المدن الإسلامية الواقعة تحت
السيطرة الصليبية، فحَرَّرَ بالفعل طبرية وعسقلان وغيرهما
.


المماليك البحرية

غير
أنه حدث تطور خطير جدًّا في جيش الصالح أيوب رحمه الله، حيث انشقت عن جيشه
فرقة الخوارزمية المأجورة، وذلك بعد أن استمالها أحد الأمراء الأيوبيين
بالشام مقابل دفع مال أكثر من المال الذي يدفعه لهم الصالح أيوب، ولم
تكتفِ هذه الفرقة بالخروج، بل حاربت الصالح أيوب نفسه، ولم يثبت معه في
هذه الحرب إلا جيشه الأساسي الذي أتى به من مصر، وعلى رأسه قائده
المُحَنَّك ركن الدين بيبرس
.

وخرج
الصالح أيوب من هذه الحرب المؤسفة وقد أدرك أنه لا بد أن يعتمد على الجيش
الذي يدين له بالولاء لشخصه لا لماله، فبدأ في الاعتماد على طائفة جديدة
من الجنود بدلاً من الخوارزمية، وكانت هذه الطائفة هي (المماليك).

وقد
زاد عدد المماليك الصالحية (نسبة إلى الملك الصالح)، وقوي نفوذهم وشأنهم
في عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب، حتى بنى لنفسه قصرًا على النيل، وبنى
للمماليك قلعة إلى جواره تمامًا، وكان القصر والقلعة في منطقة الروضة
بالقاهرة، وكان النيل يعرف بالبحر؛ ولذلك اشتهرت تسمية المماليك الصالحية
(بالمماليك البحرية)؛ لأنهم يسكنون بجوار البحر.

وهكذا
وطَّد الملك الصالح أيوب ملكه بالاستعانة بالمماليك الذين وصلوا إلى أرقى
المناصب في جيشه وفي دولته، وتولى قيادة الجيش في عهده أحد المماليك
البارزين اسمه (فارس الدين أقطاي)، وكان الذي يليه في الدرجة هو ركن الدين
بيبرس، فهما بذلك من المماليك البحرية.



الانتصار في معركة المنصورة الكبيرة

لقد
كتمت شجرة الدرِّ خبر وفات الملك الصالح ، وقالت: إن الأطباء منعوا
زيارته. وأرسلت بسرعة إلى ابن الصالح أيوب، والذي كان يحكم مدينة تعرف
(بحصن كيفا) في تركيا الآن، وكان اسمه (توران شاه بن نجم الدين أيوب)،
وأبلغته بخبر وفاة أبيه، وأَنَّ عليه أن يأتي بسرعة لاستلام مقاليد الحكم
في مصر والشام، ثم اتفقت مع كبير وزراء الملك الصالح, وكان اسمه (فخر
الدين يوسف) على إدارة الأمور إلى أن يأتي توران شاه، ثم كلفت فارس الدين
أقطاي وركن الدين بيبرس بالاستمرار في الإعداد للمعركة الفاصلة في
المنصورة، وهكذا سارت الأمور بصورة طيبة بعد وفاة الملك الصالح، ولم يحدث
الاضطراب المتوقع نتيجة هذه الوفاة المفاجئة، وفي هذه الظروف الصعبة.

ومع
كل احتياطات شجرة الدرِّ إلا أن خبر وفاة الملك الصالح أيوب تسرب إلى
الشعب، بل ووصل إلى الصليبيين، مِمَّا أدى إلى ارتفاع حماسة الصليبيين،
وانخفاض معنويات الجيش المصري، وإن ظل ثابتًا في منطقة المنصورة.

ووضع
فارس الدين أقطاي وركن الدين بيبرس خطة بارعة لمقابلة الجيش الفرنسي في
المنصورة، وعرضاها على شجرة الدر، وكانت شجرة الدرِّ تمثل الحاكم الفعلي
لحين قدوم توران شاه ابن الصالح أيوب. وأقرت شجرة الدرِّ الخطة، وأخذ
الجيش المصري مواقعه، واستعد لِلِّقاء.


وفي اليوم الرابع من ذي القعدة من سنة 647 هجرية دارت موقعة المنصورة العظيمة، وانتصر فيها المسلمون انتصارًا باهرًا.
وبعد
أن وصل توران شاه إلى المنصورة في السابع عشر من ذي القعدة سنة 647 هجرية،
وتسلم السلطان الشاب مقاليد الحكم، وأُعْلِنَ رسميًّا وفاةُ الملك الصالح
نجم الدين أيوب، وولاية توران شاه حكم مصر والشام.

بدأ
توران شاه في التخطيط لهجوم جديد على الصليبيين، وبعد خطة بارعة استطاع
الجيش المصري أن يلتقي مرة أخرى مع الصليبيين، عند مدينة (فارسكور)في
أوائل المحرم سنة 648هجرية، بعد أقل من شهرين من موقعة المنصورة الكبيرة!
ودارت هناك معركة هائلة تحطم فيها الجيش الصليبي تمامًا، بل وأسر الملك
لويس التاسع نفسه، ووقع جيشه بكامله ما بين قتيل وأسير، وسِيقَ الملك لويس
مكبلاً بالأغلال إلى المنصورة، حيث حبس في دار (فخر الدين إبراهيم ابن
لقمان).

ووُضِعَت
شروطٌ قاسيةٌ على الملك لويس التاسع ليفتدي نفسه من الأسر، وكان من ضمنها
أن يفتدي نفسه بثمانمائة ألف دينار من الذهب، يدفع نصفها حالاً ونصفها
مستقبلاً، على أن يحتفظ توران شاه بالأسرى الصليبيين إلى أن يتم دفع بقية
الفدية، بالإضافة إلى إطلاق سراح الأسرى المسلمين، وتسليم دمياط للمسلمين،
وهدنة بين الفريقين لمدة عشر سنوات.

وتم
بالفعل جمع نصف الفدية بصعوبة، وأُطْلِقَ سراح الملك لويس التاسع إلى عكا،
وكانت إمارة صليبية في ذلك الوقت، نسأل الله أن يحررها من دنس اليهود الآن



نهاية الدولة الأيوبية


اتفقت
شجرة الدرِّ مع فارس الدين أقطاي وركن الدين بيبرس وغيرهما من المماليك
الصالحية البحرية على قتل (توران شاه)، وبالفعل تمت الجريمة في يوم 27 من
المحرم سنة 648 هجرية، أي بعد سبعين يومًا فقط من قدومه من حصن كيفا
واعتلائه عرش مصر، وكأنه لم يقطع كل هذه المسافات لكي (يحكم)بل لكي
(يُدفَن)
!!

وهكذا بمقتل (توران شاه)انتهى حكم الأيوبيين تمامًا في مصر، وبذلك أُغْلِقَتْ صفحة مهمة من صفحات التاريخ الإسلامي.

لقد
أسَّسَ البطل الإسلامي العظيم صلاح الدين الأيوبي دولة الأيوبيين في سنة
569 هجرية، وظل يحكم هذه الدولة عشرين سنة إلى سنة 589 هجرية, ووَحَّدَ في
هذه الفترة مصر والشام, وتَزَعَّمَ الجهاد ضد الممالك الصليبية باقتدار،
وحقَّقَ عليهم انتصاراتٍ هائلة، والتي من أشهرها موقعة حطين الخالدة في
ربيع الآخِر سنة 583 هجرية، وفَتْحِ بيت المقدس بعد حطين بثلاثة شهور فقط
في رجب من نفس السنة، وترك صلاح الدين الأيوبي - رحمه الله - دولة قوية
عظيمة تبسط سيطرتها على مصر والشام والحجاز واليمن وأعالي العراق, وأجزاء
من تركيا, وأجزاء من ليبيا والنوبة، وحُصِرَ الصليبيون في ساحل ضيق على
البحر الأبيض المتوسط في الشام.

لكن
ـ سبحان الله ـ بوفاة صلاح الدين الأيوبي رحمه الله تَقَلَّصَ دور الجهاد
ضد الصليبيين، وفُتِنَ المسلمون بالدولة الكبيرة، وكَثُرَتِ الأموال،
وانفتحت الدنيا، واتسعت البلاد، وكان من جَرَّاءِ هذه العوامل وغيرها أن
حدثت انقسامات شديدة في الدولة الأيوبية، وتَفَكَّكَتِ الدولة الأيوبية
بعد وفاة صلاح الدين الأيوبي رحمه الله.

ولسنا
بصدد التفصيل في هذه الخلافات والصراعات والاستقلالات، ولكن نذكر هنا أن
الصراع بين أمراء الأيوبيين استمر نحو ستين سنة متصلة منذ موت صلاح الدين
الأيوبي في سنة 589هجرية، وإلى انتهاء الدولة الأيوبية في سنة 648 هجرية،
ولم يكن هذا الصراعُ صراعَ كلامٍ وسبابٍ وشقاقٍ فقط،بل كان يصل إلى حد
التقاتل بالسيوف، وإراقة الدماء المسلمة، وأَدَّى ذلك إلى الفُرْقَة
الشديدة، والتشرذم المقيت، بل كان يصل أحيانًا الخلاف وانعدام الرؤية إلى
درجة التعاون مع الصليبيين ضد المسلمين!! أو التعاون مع التتار ضد
المسلمين!! وكل هذا من جَرَّاء الوقوع تحت فتنة الدنيا الرهيبة التي طالما
حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

روى ابن ماجه والطبراني وابن حبان بإسناد صحيح عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من
كانت الدنيا همه فَرَّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من
الدنيا إلا ما كُتِبَ له، ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره، وجعل
غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة
".

صدقت ـ والله ـ يا رسول الله.
لقد
جعل صلاح الدين الأيوبي - رحمه الله - الجهاد نصب عينيه، وجعل له هدفًا
واحدًا هو قتال الصليبيين، وإعلاء كلمة الدين، فجمع الله عليه أمره، وجعل
غناه في قلبه، وأتته الدنيا - فعلاً - وهي راغمة، أمَّا معظم السلاطين
الذين جاءوا من بعده فقد جعلوا الدنيا أكبر همهم، فتفرق عليهم الأمر
تمامًا، فما عادوا يدركون الصواب من الخطأ، ولا الحق من الباطل، فتارة مع
المسلمين، وتارة مع الصليبيين، وتارة مع التتار، فجعل الله فقرهم بين
أعينهم، فمنهم من مات ذليلاً، ومنهم من مات فقيرًا، ومنهم من مات طريدًا،
ومنهم من مات حبيسًا. كان هذا هو واقع المسلمين في معظم الفترة التي تلت
حكم البطل الكبير صلاح الدين الأيوبي رحمه الله

وهكذا انتهى حكم الأيوبيين لمصر، وبدأت حقبة جديدة في ظل دولة أخرى هي دولة المماليك.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mido real love
عضو في الادارة ومشرف مميز لمنتدى الافـــــــــــلام واهلاوى متعــــــــــصب جداااا
عضو في الادارة ومشرف مميز لمنتدى الافـــــــــــلام واهلاوى متعــــــــــصب جداااا
mido real love


ذكر
عدد الرسائل : 19575
تاريخ الميلاد : 25/09/1989
العمر : 35
الحالة : LoNlEy4EvEr
Loisirs : you always steel in my heart
نشاط العضو :
التاريخ ببساطة(شامل) Left_bar_bleue70 / 10070 / 100التاريخ ببساطة(شامل) Right_bar_bleue

تاريخ التسجيل : 25/07/2009

التاريخ ببساطة(شامل) Empty
مُساهمةموضوع: الدوله العثمــــــــــانيه   التاريخ ببساطة(شامل) I_icon_minitime12/12/2009, 16:46

الدولـــة العثمـــــانيــــــــة




التاريخ ببساطة(شامل) Oix3rc

ينسب
العثمانيون إلى ((عثمان خان بن ارطغول بن سليمان شاه بن قيا)) الاب الذى
بفضله تكونت الدولة العثمانية ، وينتمي العثمانيون إلى عشيرة قابي إحدي
قبائل الغز التى اضطرت إلى الهجرة عندما أغار جنكيز خان سنة 624 هـ / 1226
م على بلاد أسيا الصغرى فاضطر سليمان شاه إلى التراجع إلى شمالي غربي
أرمينية ، وعندما هاجم السلاجقة خراسان وخوارزم عاد سليمان شاه إلى أسيا
الصغري حيث توفي سنة 629 هـ / 1231م واستطاع ابنه ارطغول أن يلتحق بخدمة
السلطان علاء الدين كيقباد بن كيخسرو الذى أقطعه المستنقعات الواقعة على
حدود الدولة البيزنطية

وعندما توفي أرطغول سنة 680 هـ تولي(( عثمان خان)) ابنه قيادة شعبه
فاستطاع فى سنة 1228 م فتح مدينة ملانجنون والتى سماها " قره جه حصار " ،
ثم توالت الفتوحات العثمانية بعد ذلك بأن استطاع(( أورخان ابن عثمان))
الاستيلاء على" بروسه" ثم"أزميد" ثم مدينة" أزنيق" سنة 1330م ، ولقد
ارتبطت الفتوحات العثمانية فى البداية بالاتجاه نحو أوربا

وذلك عندما عبر ((سليمان بن أورخان)) مضيق" الدردنيل" سنة 1356 م ونزل شبه
جزيرة" جاليوبولي" مؤسسا بذلك أول موطئ للعثمانيين بأوربا وظل هذا الاتجاه
ثابتا نحو ما يزيد على قرنين من الزمان على الرغم من الخطر الذى داهم
العثمانيين من قبل ((تيمور لنك)) والذى نتج عنه غزو الدولة العثمانية
وهزيمة السلطان(( بايزيد الأول)) ودمار العاصمة "بروسه" فى موقعة "أنقرة"
سنة 1402م مما نتج عنه تشتيت الدولة العثمانية إلى حين ،

وعندما تولي السلطان((محمد جلبي)) الحكم استطاع جمع الدولة العثمانية مرة أخري

وعلى الرغم من توجه العثمانيون نحو غزو أوربا إلا أن الدول الأوربية
الكبري فى ذلك الوقت ممثلة فى" فرنسا "و"إنجلترا" لم تستطع وقف الغزو
العثماني لأوربا عام 1356م وذلك بسبب تصارع القوي الأوربية آنذاك مع بعضها


ففرنسا أكبر هذه القوي كانت منهكة فى حربها مع" إنجلترا" فى حرب المائة
عام ( 1340 - 1433 م ) وكما ساعد العثمانيون هذا الانقسام فى القوي
السياسية والعسكرية الأوربية ساعدهم أيضا انقسامهم دينيا بسبب الصراع
المذهبي بين كل من" الكنيسة الأرثوذكسية" و"الكاثوليكية" ، وبذلك استطاع((
محمد الفاتح)) حصار" القسطنطينية" عاصمة" بيزنطة" عام 1453 م والاستيلاء
عليها وتحويل اسمها إلى "اسطنبول" وبذلك يكون قد وضع نهاية للإمبراطورية
البيزنطية وحقق حلم المسلمين فى الاستيلاء على" القسطنطينية" .
ثم بدأ العثمانيون فى التوجه بأبصارهم منذ مطلع القرن 10 هـ / 16 م صوب
القوي الإسلامية فى الشرق ولاسيما المجاورة لهم ممثلة فى دولة" الصفويين"
فى" فارس" و"الدولة المملوكية" فى مصر وكان هذا التوجه سببه ما راود
العثمانيون من أحلام السيادة على العالم الإسلامي ،

فلما تولي السلطان ((سليم الأول ))مقاليد الحكم سنة 1513 م توجه أولا إلى
حرب" الصفويين الشيعة" فى "إيران" وخاصة أنهم كانوا على مسرح الأحداث
يظهرون كقوة مناوئة للعثمانيين السنة فأعد السلطان(( سليم الأول)) جيشا
سنة 910 هـ / 1514م انتصر به على الصفويين وهزم الشاه(( إسماعيل الصفوي))
، واستطاع السلطان ((سليم الأول)) الاستيلاء على" الجزيرة "و"الموصل"
و"ديار بكر" وبذلك اقترب العثمانيون من أطراف دولة المماليك فى شمال
"الشام والعراق"

وعلى الرغم من أن العلاقات بين العثمانيين والمماليك بدأت حسنة ولاسيما أن
الدولة العثمانية قد وجهت جهودها فى بداية توسعاتها نحو الغرب وأوروبا
الأمر الذى قوبل بالارتياح الكبير من جانب المماليك والقوي الإسلامية فى
الشرق الأدني وخاصة أن السلطان ((بايزيد الثاني)) وقع سنة 1491م اتفاقية
سلام مع(( السلطان قايتباي)) ، إلا أن السلطان(( سليم الأول ))سرعان ما
لبث أن شرع فى تنفيذ خطته التوسعية فى الشرق وخاصة بعد انتصاره على
الصفويين

فبدأ يعد جيشه للقضاء على المماليك فى"مصر والشام"واستطاع السلطان سليم
الأول الانتصار على جيوش المملوكية فى معركة"مرج دابق"بالشام فى سنة 1516م
وقتل السلطان الغوري واستولي سليم الأول على حلب وخضعت له الشام ثم بدأ
سليم الأول فى الزحف على مصر ، حيث استطاع أن يستولي على مصر سنة 1517م
وشنق طومان باي على باب زويلة وبذلك انتهت سلطنة المماليك نهائيا بمصر
والشام وعين خاير بك واليا على مصر من قبل السلطان سليم الأول .

كانت النتيجة المباشرة لسقوط دولة المماليك أن تحولت مصر من دولة كبري
امتد نفوذها من جبال طوروس شمالا إلى غربي أسوان جنوبا ومن حدود برقة غربا
إلى الفرات شرقا ويخضع لسيادتها أقاليم برقة والحجاز واليمن والنوبة وقبرص
إلى مجرد ولاية عثمانية لا تختلف عن غيرها من الولايات العثمانية ففقدت
بذلك مصر شخصيتها المستقلة التى كانت تميزها على مر العصور ، حيث كانت
لمصر زمن الدولة المملوكية مركز الصدارة فى العالم الإسلامي وكان للسلاطين
المماليك الزعامة لتوليهم خدمة الحرمين الشريفين وكون القاهرة
مقرا لخلفية المسلمين ، كما أدى سقوط دولة المماليك أن انتقلت زعامة
العالم الدينية والسياسية إلى الدولة العثمانية فأصبح الخطباء يدعون
للسلطان سليم الأول باعتباره ملك البرين وخاقان البحرين وقاهر الجيشين -
الصفوي والمملوكي - وخادم الحرمين ، كما أدي سقوط المماليك أيضا إلى تمكن
العثمانيون من السيطرة على الحجاز وبسط سيادتهم على سائر شبه الجزيرة
العربية واليمن وغيرها من البلاد العربية والإسلامية ليستقر بها الحكم
العثماني قرونا طويلة متوالية .

بعد استيلاء العثمانيون على مصر بدأ السلطان سليم الأول فى وضع نظام جديد
للحكم وهو النظام الذى ظلت مصر تحكم به نحو ثلاثة قرون متعاقبة من سنة
1517 م إلى سنة 1798م وهذا الحكم تلخص فى وجود سلطتين تتنازعان الحكم
وتراقب كلا منهما الأخرى الأولي سلطة نائب السلطان أو الوالي العثماني وهو
نائب السلطان فى حكم البلاد ويلقب بالباشا ومقره القلعة وكانت مدة ولايته
سنة تنتهي بنهايتها ما لم يصدر فرمان بتجديدها سنة أخرى ، السلطة الثانية
وهي سلطة رؤساء الجند وهم قواد الفرق التي تركها سليم الأول بمصر بعد
مغادرته لها وكانت تتألف من نحو اثني عشر ألفا منتظمين فى ست فرق تسمي كل
فرقة " وجاق " أشهرهم وجاق الإنكشارية والعزب وكان مقرهم بقلعة صلاح الدين
الأيوبي بالقاهرة ، كما تم وضع نواة لسلطة ثالثة وهى سلطة البكوات
المماليك والذين تم تعيينهم فى بأقاليم مصر - كانت فى ذلك الوقت يطلق
عليها مديريات

إلا أن النظام الذى وضعه السلطان سليم الأول لم يستمر هكذا طويلا فبدأ
التنازع والحروب وانتهز المماليك هذه الفرصة وعملوا على الانفراد بالحكومة
وبمرور الوقت انتهي هذا الصراع إلى تغلب سلطة المماليك البكوات فى النصف
من القرن السابع عشر وساعدهم فى ذلك ما صارت إليه السلطنة العثمانية من
الضعف فى أواخر القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر بسبب حروبها
المتواصلة واختلال الشئون الداخلية وفساد الحكم فيها كما زاد من نفوذ
البكوات المماليك كثرة تغيير الولاة العثمانيين وعزلهم فضعف شأنهم وتراجع
نفوذهم فى حين أن المماليك احتفظوا بعصبيتهم بشرائهم العديد من الجند
والاتباع واستمالوا أفراد الحامية العسكرية أو الوجاقات الذين استوطنوا
مصر استقروا بها ، وهكذا أصبحت مصر تحت وطأة الحكم العثماني مسرحا للفتن
بين السلطات الثلاث التى تنازعت الحكم فيها وزال عنها استقلالها فحال ذلك
دون قيام حكومة ثابتة مستقرة

التاريخ ببساطة(شامل) 1ymhp0



نبدا بتاسيس الدولة على يد ((عثمان بن أرطغول)) :::

[size=12]ولد
عام 687 في السنة التي تولي أبوه فيها الحكم، وهو ثاني أبناء أبيه من حيث
السن، لكن يبدو أنه كان أكثرهم نباهة، وأشجعهم، فنال بذلك الملك ، ولم
يخالفه أخوه الأكبر منه علاء الدين ، ولكنه رضي بذلك ، فقدره أخوه أورخان
، وسلمه الوزارة ، فانصرف علاء الدين إلى الأمور الداخلية ، وتوجه أورخان
إلى الأعمال الخارجية.

نقل أورخان قاعدته إلى بورصة، وضرب العملة الفضية والذهبية، وأسس الجيش
(يني تشري) أي الجيش الجديد من أبناء الأسرى، والصغار الذين يقعون في
الأسر ، فيربون في ثكنات عسكرية تربية إسلامية ويدربون تدريباً عسكرياً ،
ويتخرجون لا يعرفون إلا القتال والحياة العسكرية والإسلام والجهاد في سبيل
الله ، ليس روابط قبلية أو عشائرية إذ لا يعرفون إلا السلطان سيداً لهم ،
لذا كانوا قوة كبيرة ساعدت العثمانيين في ضرب خصومهم ، وامتداد الفتوحات
العثمانية ، وكان يمكن أن تبقى كذلك لو بقي السلاطين أقوياء لا يسمحون لهم
بالتدخل في غير ما اختصوا به ، ولا أن يعطوهم أكثر من قدراهم فتتغير
طباعهم ، فما تدخل العسكريون في شؤون الحكم إلا أفسدوه ، ولا تصرفوا في
أمور البلاد إلا أضاعوها إلا من عصم ربك ، وهكذا كان شأنهم في النهاية إذ
غدوا طريق الهزيمة وسبب المفاسد حتى قضي عليهم عام 1442 في أيام السلطان
محمود الثاني.

فتح أزميت، ثم حاصر أزنيق وفتحها ، وعين ابنه الكبير سليمان حاكما عليها ،
وأحسن إلى أهلها ، فسمح بالهجرة إلى من يردها ، وسمح لمن بقي بإقامة شعائر
دينه ، وبعد مدة توفي أخوه علاء الدين فعين مكانه سلمان بن أورخان.

وفي عام 736 توفي حاكم إمارة (قره سي) الواقعة جنوب بحر مرمرة وإلى الشرق
من بحرإيجه، واختلف ولداه فيما بينهما على السلطة، فأسرع أورخان وضمها إلى
إمارته كي لا تقع فريسة بيد الروم.

وفي عام 756 طلب إمبراطور بيزنطة يوحنا الخامس (يوحنا باليوج) من أورخان
مساعدته ضد إمبراطور الصرب اصطفان دوشان الملقب بالقوي الذي تحالف مع
البندقية، والإمارات الصربية للهجوم على القسطنطينية، ووعد بأن يزوجه ابنة
الوصي على العرش يوحنا كانتا كوزين التي تزوج هو أختها الأخرى، أي يصبح
عديلاً له، وأرسل له أورخان الجند ، غير أن اصطفان دوشان قد أدركه الموت ،
وتوقف الاستعداد ، وعاد الجنود العثمانيون إلى بلادهم دون قتال ، وتزوج
أورخان ابنة الوصي

وشعر أورخان بضعف الإمبراطورية البيزنطية بعد أن طلب الإمبراطور منه
المساعدة للوقوف في وجه الصرب ، ورأى أن ينتقل إلى الضفة الغربية من مضيق
الدردنيل ليتقدم بعدها في أوربا ، ويتمكن من الإحاطة بالقسطنطينية ،
والهجوم عليها من الغرب فقد عجز المسلمون من قبل عن فتحها بالهجوم عليها
من الشرق ، وإن لم يكن هو فمن يأتي بعده ، فقرر الجهاد ، وأرسل ابنه
الكبير سليمان ، ووزير الدولة الأول لدراسة الغزو والتخطيط له ، وفي عام
758 اجتاز سليمان مضيق الدردنيل ليلاً مع أربعين رجلاً من أبطاله ، ولما
وصلوا إلى الضفة الغربية استولوا على الزوارق الرومية الراسية هناك ،
وعادوا بها إلى الضفة الشرقية ، إذ لم يكن للعثمانيين أسطول حيث لا تزال
دولتهم في بداية تأسيسها ، وفي الضفة الشرقية أمر سليمان جنوده أن يركبوا
في الزوارق حيث نقلهم إلى الشاطئ الأوربي ، حيث احتلوا قلعة (تزنب) ،
وغاليبولي التي فيها قلعة (جنا قلعة) المشهورة ، وابسالا ، ورودستو ،
وكلها تقع على مضيق الدردنيل من الجنوب إلى الشمال حتى تصبح رودستو على
بحر مرمرة.

وفي عام 760 توفي ولي العهد سليمان ، نتيجة سقوطه عن جواده ، وأصبح ولي
العهد مراد ، وفي العام التالي توفي السلطان أورخان فخلفه ابنه مراد.

[size=12][size=16]السـلطـان مـراد الأول (761-791هـ )

[size=12]ولد مراد في عام 726 ، وهو العام الذي تولى فيه والده الحكم ، فكان عمره يوم أصبح سلطاناً ستاً وثلاثين سنة .

وفي هذه الأثناء أثناء انتقال الحكم من سلطان إلى آخر أخذت الحماسة أمير
دولة القرمان في انقره فاستنهض همم الأمراء المستقلين في آسيا الصغرى
لقتال العثمانيين ، وعمل على تجميعهم ، غير أن هذا الأمير وهو علاء الدين
لم ير إلا وجيش مراد الأول يحيط بمدينته أنقره ، ويدخلها فاتحاً ، فاضطر
إلى عقد الصلح معه يتنازل فيه عن انقره ، ويعترف السلطان مراد بالأمير
علاء الدين أميراً على بقية أملاك دولة القرمان ، وتزوج مراد الأول ابنة
علاء الدين.

وفي عام 762 فتح العثمانيون مدينة ( أدرنة ) ، وقد سلمها القائد الرومي
بعد أن يئس من المقاومة ، فنقل مراد الأول عاصمته إليها؛ ليكون على مقربة
من الجهاد في أوروبا ، وليكون الهجوم على القسطنطينية من جهة الغرب أكثر
قوة ، ولاستغلال مناعة استحكاماتها الحربية . وبقيت هذه المدينة عاصمة
للعثمانيين حتى فتحوا القسطنطينية عام 857.
كما فتحت مدينة ( فيلبه) قاعدة الرومللي الشرقي ( جنوبي بلغاريا اليوم).
وأصبحت القسطنطينية محاطة بالعثمانيين ، وتقدم إمبراطورها فدفع الجزية
طواعية ، وقلبه مليء بالأحقاد.

وخاف الأمراء الأوربيون الذين أصبح العثمانيون على حدودهم فكتبوا إلى ملوك
أوربا الغربية وإلى البابا يستنجدون بهم ضد المسلمين ، حتى إمبراطور
القسطنطينية ذهب إلى البابا وركع أمامه وقبل يديه ورجليه ورجاه الدعم رغم
الخلاف المذهبي بينهما. فلبى الباب النداء ، وكتب إلى ملوك أوروبا عامة
يطلب منهم الاستعداد للقيام بحرب صليبية جديدة حفاظاً على النصرانية من
التقدم الإسلامي الجديد ، غير أن ملك الصرب (أوروك الخامس) الذي خلف (
اصطفان دوشان ) لم يتوقع هذا الدعم السريع من البابا وملوك أوربا ، لذا
فقد استنهض همة الأمراء المجاورين له والذين أصبحوا على مقربة من الخطر
على حد زعمهم ، فلبى دعوته أمراء البوسنة (غربي يوغوسلافيا) والافلاق
(جنوبي رومانيا) ، وأعداد من فرسان المجر المرتزقة ، وسار الجميع نحو
أدرنة حاضرة العثمانيين ، مستغلين انشغال مراد الأول ببعض حروبه في آسيا
الصغرى ، غير أن الجيش العثماني قد أسرع للقاء أعدائه فاصطـدم بهم على
نهـر ( مارتيزا) ، فهزمهم هزيمة منكرة ، وولوا الأدبار .

واضطرت بعد ذلك إمارة نصرانية صغيرة على بحر الإدرياتيك على ساحل
يوغسلافيا اليوم ، وهي إمارة (راجوزه) أن ترسل وفداً إلى السلطان ، ويعقد
معه صلحاً تدفع الإمارة بموجبه للدولة العثمانية 500 دوكاً ذهباً جزية
سنوية.

وحاول ملك الصرب الجديد (لازار بلينا نوفتش) وأمير البلغار سيسمان الاتفاق
على قتال العثمانيين ، وقد وجدوا نفسيهما ضعيفين رغم أنهما لم يخوضا سوى
المعارك الجانبية ، فاضطرا إلى دفع جزية سنوية ، وتزوج السلطان ابنة أمير
البلغار عام 780 .

ونظمت فرق الخيالة في عهد السلطان مراد الأول ، وهي التي عرفت بـ (سيباه)
أو السباهية ويقصد بها الفرسان ، وأصبح لها نظام خاص بحيث يعطى كل فارس
جزءاً من الأرض إقطاعاً له ، ويبقي بيد أصحابه سواء أكانوا من المسلمين أم
من النصارى يعملون به ، ويدفعون خراجاً معيناً لصاحب الإقطاع الذي يسكن
وقت السلم في إقطاعه ، ويعدون وقت الحرب ونفقته ، ويجهز معه جندياً آخر ،
وهذا النظام وإن قدم خدمات في بداية الأمر إلا أن هؤلاء السباهية قد
أصبحوا في النهاية أصحاب نفوذ يصعب السيطرة عليهم ، ويختلفون مع أصحاب
الأرض الأصليين وبيدهم القوة فينفذون ما يريدون ، ويتضايق أصحاب الأرض
الأصليين وبيدهم القوة فينفذون ما يريدون ، ويتضايق أصحاب الأرض فينقمون
على السباهية وبالتالي على الحكم ، وتكون الفوضى والفجوة بين الحكم
والرعية.
ولم ينس السلطان مراد الأول آسيا الصغرى بل بقي دائب التفكير فيها وفي
التخلص من تلك الإمارات الصغيرة التي تشكل رقعاً محدودة المساحة ، فهو لا
يريد أن يأخذها بالقوة ويشكل نقمة عليه ، ولا يريد أن يتركها تتصارع بينها
، وتجعل مجالاً للتدخل في شؤونها من قبل الغرباء ، وفي الوقت نفسه لا تنفق
وتتوحد لتقوم بغزو القسطنطينية يداً واحدة ، وتجاهد كقوة واحدة ، ورأى أن
يحل مشكلاتها تدريجياً مع الزمن ، وقد بدأ بإمارة ( كرميان ) أقرب
الإمارات إلى أملاكه ، فزوج ابنه بايزيد من ابنة أمير كرميان فقدم الأب
لابنته مدينة( كوتاهية ) فضمت إلى الدولة العثمانية ، وفي عام 782 ألزم
أمير دويلة الحميد الواقعة بين إمارات ( قرمان ، وتكه ، ومنتشا) بالتنازل
عن أملاكه للدولة العثمانية.

وتأخر الصرب والبلغار في دفع الجزية ويبدو أنه على اتفاق بينهما في هذا
التأخير ، فتوجهت الجيوش العثمانية إلى بلادهم ففتحت بعض البلاد الصربية
التي تقع اليوم في جنوبي يوغوسلافيا ، كما حاصرت عاصمة البلغار ( صوفيا )
وفتحتها عام 784 بعد حصار استمر ثلاث سنوات ، كما فتحت مدينة( سلانيك ) ،
المدينة اليونانية المشهورة والواقعة على بحر ايجه.

تمرد ساوجي بن السلطان على أبيه بالاتفاق مع ابن إمبراطور القسطنطينية
(اندرونيكوس بن يوحنا باليوج) ، وكان يوحنا قد حرم ابنه هذا من ولاية
العهد وأعطاها لابنه الآخر (عمانويل) ، فأرسل السلطان لابنه جيشاً انتصر
عليه وقتله ، كما أرسل إلى الإمبراطور البيزنطي فقتل ابنه أيضاً.

وقام أمير دويلة القرمان علاء الدين ، وبعض الأمراء المستقلين بحرب الدولة
العثمانية فأرسل لهم جيشاً انتصر عليهم في سهل ( قونية ) ، وأخذ الأمير
علاء الدين أسيراً ، غير أن ابنته زوجة السلطان قد توسطت له فأطلق سراحه ،
وأبقى له إمارته ، ولكنه فرض عليه دفع مبلغ من المال سنوياً وذلك عام 787 .

واستغل الصرب انشغال الجيوش العثمانية في الأناضول لقتال علاء الدين أمير
القرمان ومن معه ، فهاجموا القوات العثمانية في جنوب الصرب وحصلوا على بعض
النجاح عام 788 ، وتأهب أمير البلغار سيسمان للقيام بدوره أيضاً غير أن
الجيوش العثمانية قد داهمته واحتلت بعض أجزاء من بلاده ففر إلى الشمال ،
واعتصم في مدينة( نيكوبلي ) القريبة من الحدود الرومانية ، وجمع فلول جيشه
وهاجم بها العثمانيين غير أنه هزم ، ووقع أسيراً ، لكن السلطان أحسن إليه
فأبقاه أميراً على نصف بلاده ، وضم الباقي إلى الدولة العثمانية كي لا
يعاود الهجوم.

ولما علم ملك الصرب لازار ما تم بأمير البلغار انسحب بجيوشه نحو الغرب
للانضمام إلى الألبانيين ومحاربة العثمانيين معه، غير أن الجيوش العثمانية
أدركته قبل وصوله إلى مبتغاه ، والتقت معه عام 791 في معركة وسط سهل (قوص
اوه) أي ( إقليم كوسوفو) جنوبي يوغسلافيا ، وكان القتال سجالاً بين
الطرفين إلا أن صهر لازار قد انحاز إلى جانب المسلمين بفرقته المؤلفة من
عشرة آلاف مقاتل ، فانهزم الصربيون ، ووقع ملكهم لازار أسيراً بأيدي
العثمانيين ، وهو جريح فقتلوه لما فعل من أفاعيل خسيسة بأسراه من المسلمين
.

وإذا كانت الصرب قد فقدت استقلالها غير أن السلطان مراد الأول ذهب في
المعركة أيضاً ، وبينما كان يتفقد نتائج المعركة ويتفحص الجثث إذ قام إليه
جندي صربي من بين الجثث وطعنه بخنجر فأرداه قتيلاً ، وقتل الجند
العثمانيون القاتل الصربي مباشرة.

لقد ورث مراد الأول عن والده إمارة كبيرة بلغت 95000 كيلومتر مربع ، وعند
استشهاده تسلم ابنه بايزيد هذه الإمارة العثمانية بعد أن بلغت 500000 كيلو
متر مربع بمعنى أنها زادت في مدى حوالي 29 سنة أكثر من خمسة أمثال ما
تركها له والده أورخان .

[size=16]السلطان بايزيد الأول .. الصاعقة (791-805)

[size=12]ولد
بايزيد عام 761 أي في العام الذي تولى فيه أبوه السلطنة ، فكان عمره
ثلاثين عاماً عندما تسلم الحكم بعد وفاة والده ، وكان دائم الجهاد ينتقل
من أوروبا إلى الأناضول ثم يعود مسرعاً إلى أوروبا يحقق فيها نصراً جديداً
أو تنظيماً حديثاً حتى لقب باسم (يلدرم) أي الصاعقة نظراً لتلك الحركة
السريعة والانقضاض المفاجئ

[b]ضم أمارات تركية للدولة :



انتقل إلى الأناضــول فضم عـام 793 إمـارة ( منتشا ) ، وإمارة (آيدين) ،
وإمـارة ( صاروخان) إلى العثمانيين دون قتال ، ولكن فر أبناء حكامها إلى
قسطموني مركز ولاية (اسفنديار) ، كما تنازل أمير دولة القرمان عن جزء من
أملاكه إلى السلطان كي يبقي له الجزء الباقي ، كما فتح مدينة الأشهر بقرب
أزمير ، وهي آخر مدينة كانت قد بقيت للروم غرب بلا د الأناضول. وبذا يكون
قد أمن خلفه ، إذ كان حكام هذه الإمارات يمكن أن يتعاونوا مع أية قوة في
سبيل المحافظة على إمارتهم.

حصار القسطنطينية :



اتجه إلى الغرب وحاصر القسطنطينية عام 794 ، وضيق الحصار ، واستطاع أن
يفرض على الإمبراطور أن يعين قاضياً في القسطنطينية للفصل في شؤون
المسلمين ، وما لبث أن حاصر العاصمة البيزنطية ، وقبل الإمبراطور إيجاد
محكمة إسلامية وبناء مسجد وتخصيص 700 منزل داخل المدينة للجالية الإسلامية
، كما تنازل لبايزيد عن نصف حي غلطة الذي وضعت فيه حامية عثمانية قوامها
6000 جندي ، وزيدت الجزية المفروضة على الدولة البزنطية ، وفرضت الخزانة
العثمانية رسوماً على الكروم ومزارع الخضروات الواقعة خارج المدينة ،
وأخذت الآذان إلى العاصمة البيزنطية .

ثم تركها محاصرة ، وسار بجيش إلى الأفلاق – الجزء الجنوبي من رومانيا
اليوم - ، وأجبر حاكمها على توقيع معاهدة يعترف فيها بسيادة العثمانيين
على بلاده ، ويدفع جزية سنوياً ، ثم أبقاه حاكماً على بلاده ، يحكم فيها
بقوانينهم الخاصة ونظمهم.

إخضاع بلغاريا للسيادة العثمانية :



استمر حصار القسطنطينية، سار السلطان إلى بلاد البلغار عام797هـ، فاستولى
عليها وأخضع سكانها ، و قتل أميرها سيسمان ، فجعل تلك البلاد ولاية
عثمانية ، وأسلم ابن الأمير مقتول ، فأخذه السلطان وجعل والياً على(
صامسون ) .


وقعة تيمورلنك وضعف السلطنة :



ينتمي تيمورلنك إلى الأسر النبيلة في بلاد ما وراء النهر ، وفي عام 1369م
جلس على عرش خراسان وقاعدته سمرقند ، واستطاع أن يتوسع بجيوشه الرهيبة وأن
يهيمن على القسم الأكبر من العالم الإسلامي ، فقد انتشرت قواته في آسيا من
دلهي إلى دمشق ، ومن بحر آرال إلىالخليج العربي ، واحتل فارس وأرمينيا
وأعالي الفرات ودجلة والمناطق الواقعة بين بحر قزوين إلى البحر الأسود ،
وفي روسيا سيطر على المناطق الممتدة بين أنهار الفولجا والدون والدنيبر ،
وقد اتصف تيمورلنك بالشجاعة والعبقرية الحربية والمهارة السياسية ، وكان
مسلماً يطمح في بسط سلطانه على جميع العالم المسكون
.
ووصل تيمورلنك في انسياحه الوحشي نحو الغرب إلى بغداد ففر من وجهه أحمد بن
أويس الجلائري الذي التجأ إلى السلطان بايزيد ، فأرسل تيمورلنك إلى
السلطان يطلب منه أن يسلمه أحمد ابن أويس فرفض ذلك ، فاتجه تيمورلنك إلى
آسيا الصغرى ، ودخل مدينة( سيواس ) ، وقبض على الأمير أرطغرل بن السلطان
بايزيد وقتله ، وتابع سيره نحو الغرب ، فأسرع السلطان بايزيد إليه وقد حشد
له ما يزيد على مائة وخمسة وعشرين ألف مقاتل ، على حين ضم جيش تيمورلنك ما
يربو على ثمانمائة ألف مقاتل ، ومعه أمير قسطموني وعدد من أبناء أمراء
الدويلات التي ضمها العثمانيون إليهم ، وكانت مستقلة قامت على أنقاض دولة
السلاجقة في الأناضول ، والتقى الجيشان في سهل أنقره يوم 19 ذي الحجة عام
804 ، واستمرت المعركة طيلة ذلك اليوم من قبل شروق الشمس إلى ما بعد
غروبها ،ولم يحسن السلطان بايزيد - بسبب عجلته - اختيار المكان الذي نزل
فيه جيشه ، ومات كثير من جنود بايزيد عطشاً لقلة الماء وكان الوقت صيفاً ،
ورغم ما أبداه السلطان من شجاعة إلا أنه هزم بعد أن فرت فرق (آيدين )، و(
منتشا ) ، ( وكرميان ) ، و( صارخون ) ، وانضـمت إلى جيش تيمورلنك حيث
أبناء أمرائها فيه ، وكانت النتيجة أن وقع السلطان بايزيد نفسه وابنه موسى
في الأسر ، حيث وقفا في وجه الخصم ، وصمدا في وسط ميدان المعركة ، واختفى
ابنه الآخر مصطفى ، وفر من المعركة أبناؤه سليمان ، وعيسى ، ومحمد.

ورغم أن تيمورلنك لم يسئ إلى السلطان إلا أنه شدد عليه المراقبة حيث حاول
الفرار من الأسر ثلاث مرات ، وفشل فيها كلها ، والإهانة النفسية تعد عظيمة
إذ كلف بحراسة موسى بايزيد أمير كرميان أي عدوه ، وقد أصاب السلطان ضيق
شديد فتوفي في 15 شعبان عام 804 ، وعمره لا يزيد على أربعة وأربعين عاماً
، وسمح تيمورلنك بنقله جثة السلطان لتدفن في بورصة.

تابع تيمورلنك تقدمه نحو الغرب بعد معركة أنقرة فاستولى على ( ازنيق )، و(
بورصة ) ، ودك حصون( أزمير) ،و لما وصل إلى أقصى الغرب في الأناضول، وأراد
الرجوع أعاد الإمارات التي كانت قائمة قبل أن يضمها العثمانيون إليهم وهي
: قسطموني ، وصاروخان ، ومنتشا ، وآيدين ، وكرميان ، وقرمان فعادت التجزئة
إلى الأناضول كما كانت من قبل.

ورأت الإمارات الأوروبية التي كانت خاضعة للعثمانيين ما حل للدولة
وسلطانها ، فأعلنت استقلالها وهي : البلغار والصرب ، والأفلاق ، فصغرت
رقعة الدولة من جديد.

واختلف أبناء السلطان بايزيد على السلطة بعد عودة تيمورلنك عن الأناضول
فزاد الأمر ضعفاً ، والدولة تمزقاً ، وشجعهم تيمورلنك أيضاً على هذا
الاختلاف ليبقوا في ضعف ، وتبقي له الهيمنة ، واستعان بعضهم به ضد بعض ،
كما طلب بعضهم دعم إمبراطور القسطنطينية ضد بعض ، وهذا شأن الدول عندما
تكون ضعيفة والحكام عندما يكونون عجزة.

استقل سليمان بن بايزيد في أدرنه وجعله جنده سلطاناً عليهم ، وعلى المناطق
العثمانية في أوروبا ، وعقد حلفاً مع إمبراطور بيزنطة عمانويل الثاني ،
وتنازل له عن مدينة (سلانيك) ، وعن سواحل البحر الأسود ليساعده على إخوته
، وتزوج من إحدى قريباته.

وأما عيسى فقد كان مختبئاً بجهات بورصة ، فلما علم بوفاة والده أعلن نفسه سلطاناً ، وساعده كبير قادة بني عثمان ( ديمور طاش).

وأما محمد فقد كان مخبؤه في أواسط الأناضول ، فلما وجد الفرصة مناسبة له ،
وخف ضغط التتار خرج وجمع حوله الجند ، وانطلق يقاتل التتار ، وتمكن من أخذ
مدينة (توقات) ومدينة (أماسيا) منهم ، وقوي أمره ، واستطاع أن يخلص أخاه
موسى من يد أمير كرميان المكلف بحراسته من قبل تيمورلنك.
واتجه محمد بن بايزيد لقتال أخيه عيسى ، وجرت بينهما عدة معارك خرج محمد
إثرها منتصراً ، وقتل عيسى ، ورجعت الأناضول تحت إمرته ، وأرسل بعدها أخاه
موسى على رأس جيش لقتال أخيهما سليمان غير أن موسى قد هزم ، وعاد خائباً
من أوروبا ، فأعاد الكرة بعد أن قاد جيشاً آخر للغرض نفسه ، وقد تمكن من
قتل سليمان على أبواب أدرنه عام 713. ثم اتجه لمعاقبة الصرب الذين أعلنوا
انفصالهم عن الدولة العثمانية في أثناء الأزمة التي وقعت فيها ، فأسرع ملك
المجر لقتاله دفاعاً عن الصرب فحاربه وانتصر عليه.

عاد الخلاف بين الأخوين الباقيين من أبناء السلطان بايزيد ، وهما : محمد
وموسى إذ اغتر موسى بقوته وانتصاراته في أوروبا ، وأراد الانفصال عن أخيه
، وتأسيس دولة له في أوروبا ، وسار لفتح القسطنطينية ، وألقى عليها الحصار
فاستنجد إمبراطورها بالأمير محمد ، فأسرع لنجدته ، ووقع القتال بين
الأخوين ، واضطر موسى لرفع الحصار عن المدينة ، وتشكل حلف من الأمير محمد
وإمبراطور القسطنطينية وملك الصرب ضد الأمير موسى ، وبدأ الاتصال سراً
بقادته حتى تركوه ، ووقع بين يدي أخيه فأمر بقتله عام 816 .

وبقي الأمير محمد وحده من أبناء السلطان بايزيد بعد أن قتل إخوته الثلاثة
عيسى وسليمان وموسى ، وتفرد بالأمر من أجل الملك ، والملك عقيم ، وبتفرد
الأمير محمد بدأت السلطة العثمانية تقوى من جديد ، وتتابع خمسة سلاطين في
الحكم.

[size=16]محمد جلبي – محمد الأول ( 816- 824 )

[size=12]ولد السلطان محمد عام ( 781 1379م ) ، وانفرد بالسلطة عام 816 بعد وفاة والده بايزيد ، وعرف في التاريخ ( بمحمد جلبي).

كان متوسط القامة، مستدير الوجه ، متلاصق الحاجبين ، أبيض البشرة ، أحمر
الخدين ، واسع الصدر ، صاحب بدن قوي ، في غاية النشاط ، وجسوراً ، يمارس
المصارعة ، ويسحب أقوى أوتار الأقواس. اشتراك أثناء حكمه في 24 حرباً ،
وأصيب بأربعين جرحاً .

استطاع السلطان محمد جلبي أن يقضي على الحرب الأهلية بسبب ما أوتي من
الحزم والكياسة وبعد النظر، وتغلب على أخوته واحداً واحداً حتى خلص له
الأمر وتفرد بالسلطان ، وقضي سني حكمه الثماني في إعادة بناء الدولة
وتوطيد أركانها ، ويعتبره بعض المؤرخين المؤسس الثاني للدولة العثمانية.

إلا أن الفتن الداخلية قد تتابعت رغم الخوف من السلطان بسبب قتله إخوته ،
فإذا فعل هذا بإخوته فكيف يكون مع الآخرين ؟ يبدو أنه كان مع الآخرين أرحم
بكثير مما كان مع إخوته ، لأن الملك عقيم ، فقد انتصر على أمير القرامان ،
وأخذه أسيراً ، وعفا عنه ، وأقسم له بالطاعة ، غير أن الأمير قد حنث
بيمينه ، وعاد إلى قتال السلطان فانتصر عليه ، وأخذه أسيراً مرة أخرى ،
وعفا عنه أيضاً. وانتصر على أمير أزمير (قره جنيد) ، وعفا عنه ، وعينه
حاكماً على مدينة ( نيكوبولي) ، وقام بالدعوة إلى الاشتراكية بدر الدين
الذي كان قاضي الجيش عند الأمير موسى ، وكثر أتباعه فقاتله ، وانتصر عليه
، وقتله.

وظهر الأمير مصطفى بن بايزيد وأخو السلطان محمد ، وهو الذي كان قد اختفى
بعد معركة أنقره ، وطالب أخاه بالحكم ، وانضم إليه ( قره جنيد) ، ودخل إلى
بلاد اليونان ، ولكنه هزم أمام جند أخيه ، ففر إلى مدينة (سلانيك) ، وكانت
تتبع الدولة البيزنطية منذ هزيمة العثمانيين في أنقره ، فطلب السلطان
تسليمه ، فأبى الإمبراطور ولكن وعد بإبقائه تحت الإقامة الجبرية ما دام
السلطان على قيد الحياة ، فوافق السلطان على ذلك وخصص لأخيه راتباً شهرياً
.

ويبدو أن السلطان بعد أن قتل إخوته السابقين قد خفف من شدة وطأته وقسوته
على أقربائه وعلى الآخرين ، أو أحس بجريمة القتل ، وقدوم الموت بعد أن
سبقه إخوته إليه على يديه. وكذلك عفا عن ( قره جنيد) عام 822.

وكانت سياسته تهدف إلى إعادة بناء الدولة وتقويتها من الداخل ؛ ولذلك سالم
إمبراطور القسطنطينية وحالفه وأعاد إليه بعض المدن على شاطئ البحر الأسود
، وفي تساليا ، وصالح البندقية بعد هزيمة أسطوله أمام ( كليتبولي ) ، وقمع
الفتن والثورات في آسيا وأوروبا، وأخضع بعض الأمارات الآسيوية التي أحياها
تيمورلنك ودانت له بالطاعة والولاء.

ومات السلطان عام 824 بعد أن أوصى لابنه مراد من بعده ، وقد كان يوم وفاة
أبيه في أماسيا ، وكتم وفاة السلطان حتى وصل مراد إلى أدرنة بعد واحد
وأربعين يوماً ، ودفن محمد جلبي في بورصة.

[size=16]مراد الثاني(824-855هـ)

]size=12]ولد
في عام 806، وتولى أمر السلطنة بعد وفاة أبيه عام 824، فكان عمره لا يزيد
على ثماني عشرة سنة ، رأى أن يعمل قبل كل شيء على إعادة الإمارات في
الأناضول إلى حظيرة الدولة العثمانية بعد أن أعادها تيمورلنك عند سيطرته
على المنطقة ، ولهذه الغاية فقد عقد هدنة مع ملك المجر لمدة خمس سنوات ،
كما صالح أمير القرامان ، وأما إمبراطور القسطنطينية ، فقد طلب من السلطان
أن يتعهد له بعدم قتاله ، وكي يكون هذا العهد مضموناً فيجب على السلطان أن
يسلمه اثنين من إخوته رهينة ، وإذا ما فكر السلطان بالحرب فإن الإمبراطور
على استعداد لأن يطلق سراح عم السلطان وهو مصطفى بن بايزيد المحجوز في
سلانيك.

رفض السلطان هذا التعهد فما كان من الإمبراطور إلا أن أطلق سراح مصطفى
ودعمه بعشرة مراكب كمساعدة له على حصار مدينة (غاليبولي) على شاطئ مضيق
الدردنيل، ولم يتمكن مصطفى من دخول قلعتها رغم دخوله المدينة فترك في
المدينة حامية لحصار القلعة كي لا يصل إليها المدد، وسار نحو أدرنة ،
فالتقى بالقائد العثماني بايزيد باشا فانتصر عليه وقتله ، وتابع سيره نحو
ابن أخيه مراد ، غير أن قواد مصطفى لم يطيعوه وتخلوا عنه مع جنودهم وقت
الشدة ففر ، وسار نحو مدينة (غاليبولي) ، فقبض عليه وأعدم.

وسار السلطان مراد نحو القسطنطينية انتقاماً من إمبراطورها وألقى عليه
الحصار، وهاجمها في مطلع رمضان من عام 825 كي تكون الروح المعنوية أقوى،
غير أنه عجز عن فتحها، واضطر إلى رفع الحصار عنها لأن أخاه مصطفى قد شق
عصا الطاعة عليه وساعده أمراء الدويلات في الأناضول، وقد تمكن من هزيمة
أخيه مصطفى وقتله، ووجد أن هدفه الأول وهو إعادة الإمارات إلى الدولة يجب
أن يعود إليه، وأن يقدمه على غيره، وإن قتال هذه الإمارات فيه كلام لأن كل
الطرفين مسلم، وتركها لا يمكنه معها الجهاد فهي مطمع للأعداء أولاً، ودخول
إلى المعركة من غير قوة.

وخاف أمير قسطموني على نفسه إذ كان يدعم الأمير مصطفى وقد انتهى أمره، لذا فقد أسرع وتنازل عن نصف إمارته، وزوجه ابنته عام 826.

وقام (قره جنيد) واستولى على إمارة آيدين ، وأعلن انفصاله عن الدولة ، غير
أنه هزم وقتل. ثم دخل السلطان إمارات آيدين، ومنتشا، وصاروخان، وقتل أمير
القرامان محمد، وعين مكانه ابنه إبراهيم الذي تنازل للعثمانيين عن اقليم
الحميد، وتوفي عام 831 أمير دويلة الكرميان ولم يكن له عقب فأوصى أن تلتحق
الإمارة بالدولة العثمانية. وانتهى بذلك من كل مشكلة في الأناضول، وأصبح
بإمكانه التوجه إلى أوروبا ، لتصفية حسابه مع الحكام الذين أساءوا
للعثمانيين في أثناء المحنة التي حلت بهم أيام السلطان بايزيد ، وبعدها
يصفو له الجو لفتح القسطنطينية ومعاقبة إمبراطورها الذي حرض عليه.

وكان السلطان مراد الثاني يرى أن القتال في أوروبا أسهل فهو جهاد والروح
المعنوية لدى المسلمين تكون عالية ما داموا يقاتلون ضد النصارى ، ويعملون
مجاهدين لنشر دينهم على حين كانوا يساقون لقتال أمراء الدويلات في
الأناضول دفعاً.

بدأ بقتال ملك المجر وعقد معه معاهدة تنازل فيها للسلطان عن أملاكه التي
تقع على الضفة اليمنى لنهر الدانوب الذي سيكون حداً فاصلاً بين الطرفين.

ورأى أمير الصرب (جورج برنكوفتش) عجزه فعقد معاهدة مع السلطان تقضي بدفع
الجزية سنوية وقدرها خمسين ألف دوك ذهبي ، وأن يقدم فرقة من جنوده لمساعدة
السلطان في حروبه ، وأن يقطع علاقاته مع ملك المجر ، وأن يتنازل عن بعض
المواقع للعثمانيين ، كما تزوج السلطان ابنه (جورج برنكوفتش) مارا.

واستعاد مدينة سلانيك عام 833 من البندقية، وكان إمبراطور القسطنطينية قد
تنازل عنها لهم ، وقد حاصرها السلطان خمسة عشر يوماً. واعترف أمير الأفلاق
بسيادة العثمانيين على بلاده عام 836.

وخضعت له ألبانيا بعد حروب بسيطة ، واشترط أميرها عدم التعرض لعقائد
السكان ، وسلم أولاده الأربعة رهينة للسلطان ، وعندما توفي هذا الأمير عام
834 ضم السلطان أملاكه إليه.

ظن السلطان أن وضعه في أوربا قد استقر ، وأن إمبراطور القسطنطينية لم يبق
له سند لا في الأناضول ، ولا في أووربا وبإمكانه الآن التوجه إليه وإلزامه
على الاستسلام ، ودخول القسطنطينية عسى أن يكون مغفوراً له ، كما بشر بذلك
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما أن بدأ يستعد لمهمته حتى عاد حكام
أوروبا المتعاقدين معه على نقض العهد وإعلان العصيان. لقد حرض ملك المجر
أمير الأفلاق وأمير الصرب فثارا فأدبهما السلطان ، ثم سار إلى ملك المجر
فخرب عدداً من المدن ، وعاد بعدد عظيم من الأسرى.

عاد أمير الصرب (جورج برنكوفتش) فثار، فهاجمه السلطان، وفتح جزءاً من بلاد
الصرب، وحاصر العاصمة بلغراد ستة أشهر، وغادرها أميرها متوجهاً إلى ملك
المجر ، ثم غادرها ، وأرسل جيشه للهجوم على( ترانسلفانيا) من أملاك المجر
- وتقع شمال الأفلاق وإلى الغرب من البغدان ، وتشكل اليوم الجزء الغربي من
دولة رومانيا - غير أن جيشه قد هزم وقتل قائده مع عشرين ألفاً من الجند ،
وانسحب العثمانيون إلى ما بعد نهر الدانوب ، فأرسل السلطان جيشاً آخر
قوامه ثمانون ألفاً غير أنه هزم أيضاً ، وأسر قائده ذلك إلى بلاد الصرب
فالتقى عام 846 بالسلطان مراد الثاني نفسه فنشبت بين الفريقين ثلاثة معارك
هزم فيها السلطان كلها ، واضطر إلى توقيع معاهدة تنازل فيها السلطان عن
الأفلاق للمجر ، ورد للصرب بعض المواقع ، وقامت بين الطرفين هدنة مدتها
عشر سنوات.

شعر السلطان بالتعب فرأى أن يخلد إلى الراحة ، ثم إن ابنه الأمير علاء مات
ففجع به السلطان واشتد حزنه عليه وزهد في الدنيا والملك ، فترك الحكم
لابنه الثاني محمد الذي لم يبلغ من العمر الرابعة عشرة ، وسافر إلى غربي
الأناضول في ولاية آيدين حيث الهدوء.

كان البابا يراقب الأحداث ، وكم سره هزيمة السلطان وخاصة أن كان قد اشترك
مع المجريين أعداد من الصليبيين من بولنديين ، وفرنسيين ، وألمان، وبنادقة
، وجنوبيين ،إضافة إلى الأفلاق ، والصرب وغيرهم. وأثارت الباب تلك
المعاهدة التي وقعها السلطان مع المجريين وأنهت الحرب بين الطرفين لمدة
عشر سنوات؛ لذا فقد أرسل مندوباً من قبله وهو (سيزاريني) إلى ملك المجر ،
وطلب نقض العهد ، وليس في هذا النقض شيء من الناحية الدينية ، فليس مع
الكفار المسلمين نقض لعهد أو حنث بقسم.

تنادى ملوك النصارى لشن حملة صليبية جديدة ، فجمعوا جموعهم ، وهاجموا بلاد
البلغار ، وساعدهم على ذلك أن السلطان كان في مكان عزلته في مقاطعة
(آيدين) في مدينة (مغنيسيا) ، وأن طفله لم يتمرس بعد على القتال ، ووصل
الخبر إلى السلطان فغادر مكانه ، واتجه إلى أوروبا ، فقاد الجيش وسار نحو
الأعداء فوجدهم يحاصرون مدينة (فارنا) البلغارية الواقعة على ساحل البحر
الأسود ، فنازلهم ، وقتل ملك المجر بنفسه في ساحة المعركة ، وحمل
العثمانيون رأسه قائلين : ( أيها الكفار هذا رأس ملككم ) فاختل ترابط
الجند ، فهاجم السلطان معسكر الأعداء ، واحتله ، وقتل الكاردينال
(سيزاريني) مندوب البابا ، وتم النصر للمسلمين في 28 رجب عام 848، في سهل
قوصوه ، بعد أن استمرت ثلاثة أيام ، وقد أخرجت هذه المعركة بلاد المجر
لعشر سنوات على الأقل من عداد الدول التي تستطيع النهوض بعمليات حربية
هجومية ضد العثمانيين . وعاد السلطان فترك الأمر إلى ابنه ، ورجع إلى(
مغنيسيا).

ولم تطل إقامته أكثر من ثلاثة أشهر إذ اضطر للعودة إلى أدرنه قاعدة الدولة
حيث استصغر قادة الجيش العثمانيين من الانكشارية السلطان الصغير، إذ عصوا
أمره ، ونهبوا المدينة ، ووصل السلطان فأدب القادة وأشغلهم بالقتال في
بلاد اليونان ، وذلك أن إمبراطور القسطنطينية قد قسم أملاكه بين أولاده إذ
أعطى ابنه حنا مدينة القسطنطينية وابنه قسطنطين بلاد الموره أي جنوب
اليونان ، فسار السلطان لحرب اليونان ، واستعمل المدافع لأول مرة ، ولم
يتمكن من فتحها بسبب تمرد اسكندر بك.

كان اسكندر أحد أبناء أمير ألبانيا الذين عاشوا رهينة عند السلطان عندما
سلم أبوه البلاد للسلطان فأظهر اسكندر الإسلام، ولما وجد السلطان مشغولاً
بالحروب فر إلى إلبانيا ، وطرد العثمانيين منها. فسار إليه السلطان بقوة
كبيرة وهزمه ، وأخذ منه بعض المواقع عام 851 ، ثم اضطر إلى تركه للتوجه
إلى مقابلة الجيش المجري الذي أراد أن يثأر من معركة (فارنا) ، والتقى به
في وادي كوسوفو ، وانتصر عليه انتصاراً مؤزراً عام 852 ، ثم عاد فاتجه إلى
اسكندر بك ، وحاصر مدينة (آق حصار) ، ولم يتمكن من فتحها لتعب جيوشه ،
فأراد أن يتفق مع اسكندر بك بحيث يسلمه حكم ألبانيا مقابل جزية سنوية ،
غير أن اسكندر بك لم يقبل ، واضطر السلطان أن يعود إلى أدرنة ليستعد بصورة
أفضل ، وبينما هو كذلك إذ وافته المنية مطلع عام 855 (5 محرم) عن عمر
يناهز التاسعة والأربعين ، ونقلت جثته إلى بورصة حيث دفن هناك ، وتسلم
السلطنة ابنه محمد باسم محمد الثاني ، وهو الفاتح.

وفاته ووصيته:

قال صاحب النجوم الزاهرة في وفيات عام 855هـ في مراد الثاني : ( وكان خير
ملوك زمانه شرقاً وغرباً ، مما اشتمل عليه من العقل والحزم والعزم والكرم
والشجاعة والسؤدد ، وأفنى عمره في الجهاد في سبيل الله تعالى ، غزا عدة
غزوات ، وفتح عدة فتوحات ، وملك الحصون المنيعة ، والقلاع والمدن من العدو
المخذول. على أنه كان منهمكاً في اللذات التي تهواها النفوس ، ولعل حاله
كقول بعض الأخيار – وقد سئل عن دينه – فقال : أمزقه بالمعاصي وأرقعه
بالاستغفار – فهو أحق بعفو الله وكرمه ، فإن له المواقف المشهورة ، وله
اليد البيضاء في الإسلام ونكاية العدو ، حتى قيل إنه كان سياجاً للإسلام
والمسلمين – عفا الله عنه ، وعوض شبابه الجنة).
وبناء على وصيته رحمه الله دفن في جانب جامع مرادية في بورصة. ووصى بأن لا
يبنى على قبره شيء، وأن يعمل أماكن في جوانب القبر يجلس فيها الحفاظ
لقراءة القرآن الكريم ،وأن يدفن في يوم الجمعة فنفذت وصيته.

وترك في وصيته شعراً ، بعد أن كان قلقاً يخشى أن يدفن في قبر ضخم ، وكان
يريد ألا يبنى شيء على مكان دفنه ، فكتبها شعراً ليقول : فليأت يوم يرى
الناس فيه ترابي.

لقد قام السلطان مراد ببناء جوامع ومدارس، وقصوراً وقناطر فمنها جامع
أدرنة ذو ثلاثة شرف ،وبنى بجانب هذا الجامع مدرسة وتكية يطعم فيها الفقراء
والمساكين.

[size=16]محمد الفاتح (855 هجري - 886
)
[size=12]يعتبر
السلطان محمد الثاني العثماني السابع في سلسلة آل عثمان، يلقب بالفاتح
وأبي الخيرات. حكم ما يقرب من ثلاثين عاماً كانت خيراً وعزة للمسلمين.

ولقد امتاز السلطان محمد الفاتح بشخصية فذة جمعت بين القوة والعدل، كما
أنه فاق أقرانه منذ حداثته في كثير من العلوم التي كان يتلقاها في مدرسة
الأمراء وخاصة معرفته لكثير من لغات عصره وميله الشديد لدراسة كتب
التاريخ، مما ساعده فيما بعد على إبراز شخصيته في الإدارة وميادين القتال
حتى أنه اشتهر أخيراً في التاريخ بلقب محمد الفاتح، لفتحه القسطنطينية.

وقد انتهج المنهج الذي سار عليه والده وأجداده في الفتوحات، ولقد برز بعد
توليه السلطة في الدولة العثمانية بقيامه بإعادة تنظيم إدارات الدولة
المختلفة، واهتم كثيراً بالأمور المالية فعمل على تحديد موارد الدولة وطرق
الصرف منها بشكل يمنع الإسراف والبذخ أو الترف.
وكذلك ركز على تطوير كتائب الجيش وأعاد تنظيمها ووضع سجلات خاصة بالجند،
وزاد من مرتباتهم وأمدهم بأحدث الأسلحة المتوفرة في ذلك العصر.

وعمل على تطوير إدارة الأقاليم، وأقر بعض الولاة السابقين في أقاليمهم،
وعزل من ظهر منه تقصير أو إهمال، وطور البلاط السلطاني، وأمدهم بالخبرات
الإدارية والعسكرية الجيدة مما ساهم في استقرار الدولة والتقدم إلى الإمام.

وبعد أن قطع أشواطاً مثمرة في الإصلاح الداخلي تطلع إلى المناطق المسيحية
في أوروبا لفتحها ونشر الإسلام فيها، ولقد ساعدته عوامل عدة في تحقيق
أهدافه، منها الضعف الذي وصلت إليه الإمبراطورية البيزنطية بسبب المنازعات
مع الدول الأوروبية الأخرى، وكذلك بسبب الخلافات الداخلية التي عمت جميع
مناطقها ومدنها، ولم يكتف السلطان محمد بذلك بل أنه عمل بجد من أجل أن
يتوج انتصاراته بفتح القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية، والمعقل
الاستراتيجي الهام للتحركات الصليبية ضد العالم الإسلامي لفترة طويلة من
الزمن، والتي طالما اعتزت بها الإمبراطورية البيزنطية بصورة خاصة
والمسيحية بصورة عامة، وجعلها عاصمة للدولة العثمانية وتحقيق ما عجز عن[/color:7a21
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سندرا
مشرفه قسم الوصفـــــــــات الطبيعيه والتراث وتاريخ مصر والوطن العربى
مشرفه قسم الوصفـــــــــات الطبيعيه والتراث وتاريخ مصر والوطن العربى
سندرا


انثى
عدد الرسائل : 3071
تاريخ الميلاد : 22/08/1990
العمر : 34
نشاط العضو :
التاريخ ببساطة(شامل) Left_bar_bleue66 / 10066 / 100التاريخ ببساطة(شامل) Right_bar_bleue

تاريخ التسجيل : 12/02/2009

التاريخ ببساطة(شامل) Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ ببساطة(شامل)   التاريخ ببساطة(شامل) I_icon_minitime13/12/2009, 03:50

موضوع فى منتهى الجمال ومتكامل
تسلم ايدك يا ميدو
على المجهود ده
ويا ريت تكمل باقى الدول كمان
يثبت
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mido real love
عضو في الادارة ومشرف مميز لمنتدى الافـــــــــــلام واهلاوى متعــــــــــصب جداااا
عضو في الادارة ومشرف مميز لمنتدى الافـــــــــــلام واهلاوى متعــــــــــصب جداااا
mido real love


ذكر
عدد الرسائل : 19575
تاريخ الميلاد : 25/09/1989
العمر : 35
الحالة : LoNlEy4EvEr
Loisirs : you always steel in my heart
نشاط العضو :
التاريخ ببساطة(شامل) Left_bar_bleue70 / 10070 / 100التاريخ ببساطة(شامل) Right_bar_bleue

تاريخ التسجيل : 25/07/2009

التاريخ ببساطة(شامل) Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ ببساطة(شامل)   التاريخ ببساطة(شامل) I_icon_minitime13/12/2009, 03:56

انتى تؤمرى يا قمر
ان شاء الله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جوجو
عضوة في الادارة ومـشـرفه قسم الاحزان وقسم التعارفــــ ,والفائزه فى مسابقه اجمل تصميم فستان خطوبه
عضوة في الادارة ومـشـرفه قسم الاحزان وقسم التعارفــــ ,والفائزه فى مسابقه اجمل تصميم فستان خطوبه
جوجو


انثى
عدد الرسائل : 14924
تاريخ الميلاد : 27/01/1990
العمر : 34
الحالة : نحن اليهود لسنا إلا سادة العالم ومفسديه، ومحركي الفتن فيه وجلاديه".
Loisirs : أَحْلاَمُنَا فِي الأٌفُقِ حَائِرَة .. تُفَتِشُ عَنْ مَكَان .. جَثَت السِنِين تَنَامُ بَيْنَ ضُلُوعِنَا ... لِأشُمَّ رَائِحَة شَيء مَاتَ فِي قَلْبِي ... وَ تَسْقُطُ دَمْعَتَان ! فَالعِطْر عُطرك وَ المَكَان هُوَ المَكَان ! لَكِن ! شَيء تَكَسَر بَيْنَنَا ! لاَ أَنْت أَنْت وَلاَ الزَمَان هُوَ الزَمَان ..
نشاط العضو :
التاريخ ببساطة(شامل) Left_bar_bleue96 / 10096 / 100التاريخ ببساطة(شامل) Right_bar_bleue

تاريخ التسجيل : 10/04/2009

التاريخ ببساطة(شامل) Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ ببساطة(شامل)   التاريخ ببساطة(شامل) I_icon_minitime13/12/2009, 04:00

جميل جدااااااااااااااا

تسلم ايدك ميدو






التاريخ ببساطة(شامل) Jqz51045





التاريخ ببساطة(شامل) Jojo1li0
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
لولا
سكرتيرة المنتدي ومشرفة قسم المشاكل العاطفية واعرف حقك
سكرتيرة المنتدي ومشرفة قسم المشاكل العاطفية واعرف حقك
لولا


انثى
عدد الرسائل : 20190
تاريخ الميلاد : 14/02/1988
العمر : 36
الحالة : بتمنى رضا الله
Loisirs : احب الله ورسوله
نشاط العضو :
التاريخ ببساطة(شامل) Left_bar_bleue60 / 10060 / 100التاريخ ببساطة(شامل) Right_bar_bleue

تاريخ التسجيل : 28/07/2009

التاريخ ببساطة(شامل) Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ ببساطة(شامل)   التاريخ ببساطة(شامل) I_icon_minitime13/12/2009, 04:06

التاريخ ببساطة(شامل) 26303 التاريخ ببساطة(شامل) 70209 التاريخ ببساطة(شامل) 70209
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mido real love
عضو في الادارة ومشرف مميز لمنتدى الافـــــــــــلام واهلاوى متعــــــــــصب جداااا
عضو في الادارة ومشرف مميز لمنتدى الافـــــــــــلام واهلاوى متعــــــــــصب جداااا
mido real love


ذكر
عدد الرسائل : 19575
تاريخ الميلاد : 25/09/1989
العمر : 35
الحالة : LoNlEy4EvEr
Loisirs : you always steel in my heart
نشاط العضو :
التاريخ ببساطة(شامل) Left_bar_bleue70 / 10070 / 100التاريخ ببساطة(شامل) Right_bar_bleue

تاريخ التسجيل : 25/07/2009

التاريخ ببساطة(شامل) Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ ببساطة(شامل)   التاريخ ببساطة(شامل) I_icon_minitime13/12/2009, 17:41

تسلمى يا جوجو نورتى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mido real love
عضو في الادارة ومشرف مميز لمنتدى الافـــــــــــلام واهلاوى متعــــــــــصب جداااا
عضو في الادارة ومشرف مميز لمنتدى الافـــــــــــلام واهلاوى متعــــــــــصب جداااا
mido real love


ذكر
عدد الرسائل : 19575
تاريخ الميلاد : 25/09/1989
العمر : 35
الحالة : LoNlEy4EvEr
Loisirs : you always steel in my heart
نشاط العضو :
التاريخ ببساطة(شامل) Left_bar_bleue70 / 10070 / 100التاريخ ببساطة(شامل) Right_bar_bleue

تاريخ التسجيل : 25/07/2009

التاريخ ببساطة(شامل) Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ ببساطة(شامل)   التاريخ ببساطة(شامل) I_icon_minitime13/12/2009, 17:41

شكرا ليكى يا لولا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
dolly
رئيسه المنتدي
رئيسه المنتدي
dolly


انثى
عدد الرسائل : 20500
تاريخ الميلاد : 27/10/1984
العمر : 40
الحالة : الحمد لله على كل حال
نشاط العضو :
التاريخ ببساطة(شامل) Left_bar_bleue100 / 100100 / 100التاريخ ببساطة(شامل) Right_bar_bleue

تاريخ التسجيل : 04/07/2008

التاريخ ببساطة(شامل) Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ ببساطة(شامل)   التاريخ ببساطة(شامل) I_icon_minitime23/12/2009, 10:00

تسلم ايدك رووووعه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
MVB
عضو مبدع
عضو مبدع
MVB


ذكر
عدد الرسائل : 521
تاريخ الميلاد : 20/02/1996
العمر : 28
الحالة : الحمد لله كويس
نشاط العضو :
التاريخ ببساطة(شامل) Left_bar_bleue0 / 1000 / 100التاريخ ببساطة(شامل) Right_bar_bleue

تاريخ التسجيل : 31/07/2009

التاريخ ببساطة(شامل) Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ ببساطة(شامل)   التاريخ ببساطة(شامل) I_icon_minitime23/12/2009, 16:36

توبيك جميل يا حوده
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mido real love
عضو في الادارة ومشرف مميز لمنتدى الافـــــــــــلام واهلاوى متعــــــــــصب جداااا
عضو في الادارة ومشرف مميز لمنتدى الافـــــــــــلام واهلاوى متعــــــــــصب جداااا
mido real love


ذكر
عدد الرسائل : 19575
تاريخ الميلاد : 25/09/1989
العمر : 35
الحالة : LoNlEy4EvEr
Loisirs : you always steel in my heart
نشاط العضو :
التاريخ ببساطة(شامل) Left_bar_bleue70 / 10070 / 100التاريخ ببساطة(شامل) Right_bar_bleue

تاريخ التسجيل : 25/07/2009

التاريخ ببساطة(شامل) Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ ببساطة(شامل)   التاريخ ببساطة(شامل) I_icon_minitime24/12/2009, 01:57

تسلمى ىا دودو نورتى يا قمر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mido real love
عضو في الادارة ومشرف مميز لمنتدى الافـــــــــــلام واهلاوى متعــــــــــصب جداااا
عضو في الادارة ومشرف مميز لمنتدى الافـــــــــــلام واهلاوى متعــــــــــصب جداااا
mido real love


ذكر
عدد الرسائل : 19575
تاريخ الميلاد : 25/09/1989
العمر : 35
الحالة : LoNlEy4EvEr
Loisirs : you always steel in my heart
نشاط العضو :
التاريخ ببساطة(شامل) Left_bar_bleue70 / 10070 / 100التاريخ ببساطة(شامل) Right_bar_bleue

تاريخ التسجيل : 25/07/2009

التاريخ ببساطة(شامل) Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ ببساطة(شامل)   التاريخ ببساطة(شامل) I_icon_minitime24/12/2009, 01:58

الاجمل ردك يا احمد نورت
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
التاريخ ببساطة(شامل)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» التاريخ ببساطة ( المماليك )
» التاريخ ببساطة (الدولة الايوبية)الجزء الثانى
» التاريخ ببساطة ( فتــح مـــصــر على يد القائد البطل عمروبن العاص )
» ديكور شامل البيت كله
» معبد الكرنك من احد المعابد الفرعونية القديمة ادخل شوف موضوع شامل بالصور

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
WWW.DODY.MSNYOU.COM :: التراث وتاريخ مصر والوطن العربى-
انتقل الى: