الرسالة المؤجلة

موضوع: الرسالة المؤجلة 29/3/2010, 05:53

فى تلك الزاوية الضيقة من الغرفة مشققة الجدران التى يتوسطها

سرير خشبى قديم .. استقر كرسى متحرك تقبع عليه فتاة لاتتجاوز

العشرين من عمرها , تحتضن يدها قلم رصاص اختفى سنه من كثرة

الاستخدام .

شمس وقمر يتعاقبان وهى مشدودة على كرسيها مستمتعه بالحوار

الفنى الذى يدور بين قلمها وكومة الاوراق التى لا تكاد تفارقها , فقد

كانت تمضى معظم وقتها فى رسم وتخطيط الازياء , فتتحول الخطوط

الرمادية البسيطة تحت يدها الى لوحه فنية تفيض بالابداع .

كانت الام هى التى تترجم هذة الموهبه وتحولها من الخطوط المتمايلة

على الاوراق الى واقع منظور غايه فى الروعه والبهاء , ينطق كل جزء

فيها معترفا بموهبه ولدتها تلك الفتاة .

مرت الايام وهى تعمل دون كلل أو ملل تعمل فقط لتوفر لاسرتها المال

رغم عجزها الذى جعلت منه سببا لحياتها وحياة أسرتها , وكل يوم

يمر يزداد اعتماد أفراد الاسرة على ما تجنيه تلك الفتاة من وراء عملها

فلم يسعى أى منهم للبحث عن عمل طالما يتوفر له ما يحتاجه , ولم

يتطرق اليهم ولو للحظه الشعور بالخجل من كون قيام فتاة عاجزة

بالعمل لتكون هى مصدر رزق لهم بدلا من أن يقوموا هم بمساعدتها

حتى تتماثل للشفاء .

لم تتمرد يوما على عملها الذىكان يعنى لها الحياة بكل تفاصيلها , ولم

تدخر ولو القليل مما تجنيه لتنفقه على علاجها الذى لم يعد هدفها

الذى تسعى لتحقيقه , فقد تأقلمت مع هذا الوضع واستطاعت أن

تتعايش مع اعاقتها وتخلق منها عصا تتوكأ عليها حتى تستطيع

أن تصل الى نهايه الطريق .

وفى يوم رفع الستار بقمره ونجومه ليأخذ قرص الشمس دوره على

مسرح السماء ... واذا بصرخات الام تعلو فى الافق معلنه عن حزنها

الدامى وحرقه قلبها لفراق ابيتها العاجزة التى فارقت الحياة مع بزوغ

فجر ذلك اليوم .

ودعتها الام وعيناها غارقتان فى الدموع , نظراتها حائرة بين الارض

والسماء وكأنها تطرح سؤالا واحدا فى كل مرة :

لماذا هى ؟

بعد رحيل الاخت أيقن الاخوة أنه لابد من البحث عن مصدر رزق

وعلي كل منهم أن يكفل نفسه .

غمرت الام فرحه عارمه لم يستطيع قلبها أن يستوعبها عندما عملت

بقرار أبنائها الذى جاء متأخرا .

أيقنت الام وقتها فقط أن الله قدر موت فتاتها العاجزة واختارها من

بين جميع اخوانها لكى يكون موتها سببا فى أن يستيقظ كلا

منهم من سباته الطويل ليبدأ حياته واضعا بصمته فيها.