أحلي سيرة سيرة...............

سيرة النبي صلى الله عليه وسلم

الجزء الأول



هو أكرم خلق الله ، وأفضل رسله ، وخاتم أنبيائه ، محمد
بن عبدالله بن عبدالمطلب (شيبه) بن هاشم (عمرو) بن عبد مناف بن قصي (زيد)
بن كلاب (حكيم) بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة
بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، وعدنان من ذرية
إسماعيل بن إبراهيم ـ عليهما السلام ـ.



قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "بعثت من خير قرون بني آدم ، قرناً فقرناً ، حتى كنت من القرن الذي كنت فيه" (رواه الإمام البخاري في صحيحه).

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله اصطفى كنانه من ولد إسماعيل واصطفى من كنانه قريشاً واصطفى من قريش بن هاشم واصطفاني من بني هاشم"

(رواه مسلم).

أما
أمه صلى الله عليه وسلم فهي آمنه بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن
مرة ، وتلتقي في نسبها مع أبيه في كلاب بن مرة (الجد الخامس من جهة أبيه
والرابع من جهة أمه).

معاني المفردات :-

قوله (بُعثت) أي بعثني الله تعالى.

قوله (قرون) جمع قرن ، والقرن : الطبقة من الناس المجتمعين في عصر واحد.

ومدة
القرن : المشهور أن مدة القرن مائة سنة وبعض العلماء فسر القرن بأنه :
الأمة في عصر من العصور ، كلما انقضى عصر سمى أهله قرناً سواء طال أو قصر

قوله (حتى كنت من القرن الذي كنت فيه) يعني حتى ظهر صلى الله عليه وسلم في القرن الذي وجد فيه.

تفسير الحديث الأول والثاني إجمالاً :-

إن الله اختار نبيه صلى الله عليه وسلم من خير طبقات البشر طبقة بعد طبقة ، فكان صلى الله عليه وسلم ينتقل
من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الطاهرة ، حتى ظهر أخيراً من البيت
الهاشمي أشرف بيوت العرب وأعرقها نسباً وأعلاها منزلة في جزيرة العرب كلها.

نلخص ما ذكره العلماء في الكلام عن نسبه في النقاط التالية :-

(1) قال الإمام ابن القيم (رحمه الله) في كتاب زاد المعاد
: (وهو خير أهل الأرض نسباً على الإطلاق ، فلنسبه من الشرف أعلى ذروة
وأعداؤه كانوا يشهدون له بذلك) ثم قال : (فأشرف القوم قومه ، وأشرف
القبائل قبيلة ، وأشرف الأفخاذ فخذه).

(2) قال الإمام بن كثير (رحمه الله) في كتاب الفصول (وهذا النسب الذي سقناه إلى عدنان لا مريه فيه ولا نزاع) يعني لا شك فيه ولا خلاف بين النسابين.

(3) قال ابن القيم أيضا :
(وما فوق عدنان مختلف فيه ، ولا خلاف بينهم -أي بين النسابين- أن عدنان من
ولد إسماعيل عليه السلام) يعني من ذريته ، وإسماعيل هو نبي الله بن نبي
الله إبراهيم الخليل عليهما السلام.

(4) قال الإمام البغوي في شرح السنة : (وقريش هم أولاد النضر بن كنانة ، تفرقوا في البلاد - مكة وما حولها - فجمعهم قصي بن كلاب في مكة سموا قريشاً لأنه قرشهم ، أي جمعهم).

أسماؤه عليه الصلاة والسلام :-

(1) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لي خمسة أسماء" : أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا الماحي : الذي يمحو الله بي الكفر ، وأنا الحاشر : الذي يُحشر الناس على قدمي ، وأنا العاقب" (رواه البخاري ومسلم).

( أ ) تفسير الحديث : قال الإمام ابن حجر العسقلاني (رحمه الله) في كتاب فتح الباري (أراد يعني النبي صلى الله عليه وسلم أن لي خمسة أسماء أختص بها لم يسم بها أحد قبلي ، لا أنه أراد الحصر فيها ومعنى قوله : "يحشر الناس على قدمي" يعني على أثري أي أنه يحشر قبل الناس صلى الله عليه وسلم).

(ب) معاني الأسماء التي ذكرِت في الحديث :-

(1) محمد : كثير الخصال التي يُحمد عليها.

(2) أحمد : الذي يُحمد أكثر مما يحمد غيره.

(3) العاقب : الذي ليس بعده نبي.

(2) وقال صلى الله عليه وسلم "أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا نبي الرحمة ، ونبي التوبة ، وأنا المُقفي ، وأنا الحاشر ، ونبي المَلاحم" (رواه الترمذي في الشمائل المحمدية ، وأحمد ، وابن حبان وقال الألباني (رحمه الله) في مختصر الشمائل المحمدية : إسناده حسن)

معاني الأسماء التي لم تذكر في الحديث:-

( أ ) المُققى : الذي قفى واتبع آثار من سبقه من الأنبياء ، فكان خاتمهم وآخرهم.

(ب) نبي الرحمة : الذي أرسله الله رحمة للعالمين.

(ج) نبي التوبة : الذي فتح الله به باب التوبة على أهل الأرض.

( د ) نبي المَلاحم : الملاحم جمع ملحمة وهي الحرب ، سميت بذلك لاشتباك لحوم الناس فيها بعضهم ببعض ، ونبي الملاحم : الذي بُعث بجهاد أعداء الله.

وهناك أسماء أخرى كثيرة ذكرها الله تعالى في القرآن وثبتت في أحاديث أخرى متفرقة ، منها "المتوكل ، والأمين ، والشاهد ، والمبشر ، والنذير ، والبشير ، والقاسم ، وعبدالله ، والسراج المنير ، وسيد ولد آدم ، وصاحب لواء الحمد ، والصادق ، والمصدوق ، والرؤوف ، والرحيم.

وأسماؤه صلى الله عليه وسلم نوعان :-

الأول : خاص لا يشاركه فيه غيره من الرسل عليهم السلام مثل محمد ، وأحمد ، والعاقب ، والحاشر ، والمقفي ، ونبي الملحمة.

الثاني : يشاركه في معناه غيره من الرسل عليهم السلام مثل (رسول الله ، والنبي، والمبشر ، والنذير ، ونبي الرحمة ، ونبي التوبة ، والصادق وغيرها).

المولد الشريف

تزوج
عبدالله بن عبدالمطلب من أشرف عقيلة في قريش هي آمنة بنت وهب ، فحملت
برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتوفى عبدالله بالمدينة ، راجعاً من
الشام في تجارة لعبد المطلب.

وفي
صبيحه يوم الاثنين التاسع ـ ويقال : الثاني عشر ـ من شهر ربيع الأول عام
الفيل (حينما غزا أبرهة الحبشي مكة المكرمة لهدم الكعبة المشرفة قادماً من
اليمن) وهو يوافق اليوم الثاني والعشرين من شهر إبريل سنة 571 م ، في دار
أبي طالب بِشِعْب بني هاشم جوار الصفا بمكة المكرمة ، وكانت قابلته أي
رايته الشفاء بنت عمرو أم عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه. أرسلت إلى جده
عبدالمطلب تبشره بولادته صلى الله عليه وسلم ، فجاء عبدالمطلب مستبشراً
مسروراً ، وحمله ، فأدخله الكعبة ، وشكر الله ودعاه ، وسماه محمداً ، رجاء
أن يحمد ، وعق عنه ، وختنه يوم سابعة وكانت حاضنته أم أيمن (بركة الحبشية)
ـ رضي الله عنها ـ مولاة والده وقد بقيت حتى أسلمت ، وهاجرت ، وتوفيت بعد
النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر. وأول من أرضعه (ثويبة) جارية عمه
أبي لهب.

حادثة شق الصدر

كان
من عادة أشراف العرب أن يلتمسوا المراضع لأولادهم في البوادي ، ابتعاداً
لهم عن أمراض الحواضر حتى تشتد أعصابهم ، وليتقنوا اللسان العربي في مهدهم
، فقامت حليمة السعدية زوجة الحارث ابن عبد العزى بتولي رضاعته من بني سعد
بن بكر بن هوازن ، وعلى أثر ذلك حلت البركة على أهل هذا البيت مدة وجوده
صلى الله عليه وسلم بينهم.

وخلال
فترة وجود النبي صلى الله عليه وسلم في بني سعد وقعت حادثة غريبة أحدثت
خوفاً في حليمة وزوجها حتى ردا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمه تلك
الحادثة هي شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم.

قال
أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو
يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه ، فشق عن قلبه ، فاستخرج القلب ، فاستخرج منه
علقه ، فقال ، هذا حظ الشيطان منك. ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ، ثم
لَلأَمَهُ ـ أي ضمه وجمعه ـ ثم أعاده في مكانة وجاء الغلمان يسعون إلى أمه
ـ أي مرضعته حليمة ـ فقالوا إن محمد قد قتل. فاستقبلوه وهو منتقع اللون. أي متغير اللون. قال أنس : وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره.

إلــــى مكـــة

رجع
النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذا الحادث إلى مكة وهو ابن أربع سنين ،
فبقى عند أمه نحو سنتين وتوفت عنه وهو ابن ست سنوات ، ثم انتقلت كفالته
إلى جده عبدالمطلب والذي توفى هو الآخر والنبي صلى الله عليه وسلم ابن
ثمان سنين ، فكفله بعد ذلك عمه أبو طالب.

حياة العمل



معلوم
أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد يتيما ، ونشأ في مكة في كفالة جده ثم عمه
، ولم يرث عن أبيه شيئاً يغنيه ، فكان صلى الله عليه وسلم يرعى غنم لأهل
مكة على قراريط (القيراط الجزء اليسير من المال أي ما يقارب 750 فلس) فلما
شب النبي صلى الله عليه وسلم بدء يَتَّجر ، فَعُرِفَ بغاية الأمانة والصدق
والعفاف ، حتى لُقِّبَ بالأمين.

فلما
سمعت خديجة ـ رضي الله عنها ـ وكانت من أفضل نساء قريش شرفاً ومالاً
بالنبي صلى الله عليه وسلم عرضت عليه مالها ليخرج فيه إلى الشام تاجراً ،
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع غلامها ميسرة إلى الشام ، فباع
وابتاع وربح ربحاً عظيماً ، ثم رجع إلى مكة وأدى الأمانة.

زواجه بخديجة



تزوج
النبي (صلى الله عليه وسلم بخديجة على صَداقٍ قدره عشرون بَكْرَةً ، وكانت
ـ رضي الله عنها ـ أول أزواجه ، ولم يتزوج عليها حتى ماتت ، وكل أولاده
منها إلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية وأولاده من خديجة ـ رضي الله
عنهاـ (القاسم، ثم زينب ، ثم رقية ، ثم أم كلثوم ، ثم فاطمة ، ثم عبدالله)
وقد مات البنون كلهم صغاراً ، أما البنات فقد أدركن كلهن زمن النبوة ،
فأسلمن وهاجرن ، ثم توفاهن الموت قبل النبي صلى الله عليه وسلم إلا فاطمة
ـ رضي الله عنها ـ عاشت بعده 6 أشهر.

البعثة المباركة

ولما
بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الأربعين من عمره المبارك وهي سن الكمال
، ولها بعثت الرسل غالباً ـ بدأت طلائع النبوة وتباشير السعادة في الظهور
، فكان يرى رؤيا صالحة تقع كما يرى.

فلما كان في رمضان وهو معتكف بغار حراء يذكر الله ويعبده ، فجاءه جبريل عليه السلام بالنبوة والوحي .

تقول
عائشة ـ رضي الله عنها ـ أول ما بدء الرسول صلى الله عليه وسلم من الوحي
الرؤيا الصالحة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فَلَقِ الصبح ،
ثم حُبب إليه الخلاء ، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث (يتعبد) فيه الليالي
ذوات العدد قبل أن ينزع (يرجع) إلى أهله ، ويتزود لذلك ، ثم يرجع إلى
خديجة ، فيتزود لمثله حتى جاءه الحق وهو في غار حراء ، فجاء الملك ، فقال
: اقرأ. قال ما أنا بقاريء.

قال
: فأخني فغطني (ضمني إليه وعصرني كما تضم الأم ولدها لصدرها رحمة به وشفقة
عليه) حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني ، فقال : إقرأ. فقلت : ما أنا بقاريء
فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني ، فقال : اقرأ : فقلت
: ما أنا بقرايء فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال : (اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ).

فرجع
بها رسول الله يرجف فؤاده ، فدخل على خديجة بنت خويلد (رضي الله عنها)
فقال : زملوني ، زملوني (أي أدخلوني في ثياب وغطوني بها). فزملوه حتى ذهب
عنه الروع. فقال لخديجة ـ وأخبرها بالخبر : لقد خشيت على نفسي. فقالت :
كلا ، والله ما يخزيك الله أبداً. إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكلَّ ، وتكسب
المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق.

فانطلقت
به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل (ابن عم خديجة) وكان امرءاً تَنَصَّر في
الجاهلية. وكان يكتب الكتاب العبراني ليكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء
الله أن يكتب وكان شيخاً قد عمي.

وقالت : يا أبن عم ، اسمع خبر ابن أخيك.

فقال له ورقة : يا ابن أخي ، ماذا ترى ؟

فأخبره صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى.

فقال له ورقة : هذا الناموس الذي نزل على موسى . يا ليتني جذعا (شاباً قويا) ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أومخرجي هم ؟

قال : نعم ، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً. ثم لم يلبث ورقة أن توفي وفتر الوحي.

وقد
فتر الوحي بعد ذلك واختلف في مقدار التوقيت ، والأرجح أربعون يوماً ـ
والله أعلم ـ ثم تمضي الأيام وفجأة وهو يمشي يسمع صوتاً من السماء فيرفع
بصره فإذا بالملك الذي جاءه بغار حراء جالس على كرسي بين السماء والأرض ،
فرعب منه أشد الرعب ورجع إلى أهله يقول زملوني دثروني وصبوا علي الماء
البارد . فأنزل الله تعالى : (يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) ثم حمي الوحي بعد ذلك وتتابع.

وقام
رسول الله صلى الله عليه وسلم على أثر نزول هذه الآيات بالدعوة إلى الله
سبحانه وتعالى ، ففي اليوم الأول من الدعوة بادر إلى الإيمان أم المؤمنين
خديجة بنت خويلد (رضي الله عنها) وصديق النبي الحميم أبو بكر الصديق وابن
عمه علي ابن أبي طالب ومولاه زيد بن حارثه (رضي الله عنهم أجمعين).

ثم بدأة الدعوة تنتشر فأسلم عثمان
بن عفان ، والزبير بن العوام ، وعبدالرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ،
وطلحه بن عبيد الله ، وأبو عبيدة عامر بن الجراح ، وأبو سلمة بن عبد الأسد
، وامرأته أم سلمة ، وأم أيمن ، وأسماء بنت أبي بكر (رضي الله عنهم أجمعين) وغير كثير ، وقد عُرِفَ هؤلاء بلقب السابقين الأولين ، يصل عددهم إلى مائة وثلاثين صحابياً تقريباً.

وبعد أن مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنوات في سبيل الدعوة السرية ، أنزل الله تعالى (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ). فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بدعوته في نوادي ومجامع قريش ، يتلو عليهم كتاب الله، ويدعوهم على ما دعت إليه الرسل (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) وبدأ يعبد الله أمام أعينهم ، فكان يصلي بفناء الكعبة نهاراً وجهاراً وعلى رؤوس الأشهاد.

وجاء
أيام الحج فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ، إلى مجامع الحجاج ورحالهم
ومنازلهم، ودعاهم إلى الإسلام ، وقال لهم "يا أيها الناس قولوا لا إله إلا
الله تفلحوا". وتبعه أبو لهب يكذبه ويؤذيه ، فصدت العرب من ذلك الموسم وقد
عرفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتشر ذكره في بلاد العرب كلها.

سبل شتى لمواجهة الدعوة

بعد
انتهاء الحج ، بدأت قريش تفكر وتتشاور ، ثم اختاروا سبلاً شتى لمواجهه هذه
الدعوة والقضاء عليها ، فبدأو بالسخرية والاستهزاء وكان قصدهم تخذيل رسول
الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين ، وتوهين قواهم المعنوية ، فكانوا
يتهمون رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر كذاب ، رجل مسحور ، شاعر
مجنون ، وغير ذلك من التهم والشتائم ، وإذا رأوا ضعفاء الصحابة قالوا : قد
جاءكم ملوك الأرض ، سخرية بالصحابة رضي الله عنهم.

وبعد
ذلك قاموا بالحيلولة بين الناس وبين الاستماع إلى النبي صلى الله عليه
وسلم فقد قرروا أن يثيروا الشغب ، ويرضعوا الضوضاء ، ويطردوا الناس كلما
رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يستعد ليقوم بالدعوة إلى الله فيما بينهم.
وأن لا يتركوا له فرصه ينتهزها لبيان ما يدعوا إليه. ثم انتقلوا المشركين
بعد ذلك لاثارة الشبهات وتكثيف الدعايات الكاذبة ، فقد أكثروا من ذلك
وتفننوا فيه. فقالوا عن القرآن أضغاث أحلام ، وأحياناً قالوا : إن له جناً
أو شيطاناً يتنزل عليه بالقرآن.

وبعد
ذلك لجأ المشركين إلى أسلوب آخر من أساليب الصد عن سبيل الله ألا وهو
تعذيب المسلمين ، فقد أتوا فيه بأنواع تقشعر لها الجلود ، وتتفطر منها
القلوب. فهذا بلال رضي الله عنه يُخْرَجُ به في وقت الظهيرة ، ثم يأمر
بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ، وهذا عامر بن فهيرة يعذب حتى يفقد وعيه،
وكان خباب بن الأرت يأتى بالحديدة المحماة فتجعل على ظهره ، وكثير من
الصحابة نالهم نصيب من تعذيب قريش. وحتى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم
يسلم من أذية المشركين ، فقد قام الشقي عقبة بن أبي معيط فجعل سلا الجزور
على كتف النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد. هذه صورة مصغرة لما كان
يعانيه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون من قريش بعد إعلان الدعوة
والجهر بها.

المقاطعة العامة

لما
رأى أبو طالب أن الأذى قد اشتد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جمع
بني هاشم وبني المطلب ودعاهم إلى القيام بحفظ النبي صلى الله عليه وسلم ،
فأجابوه إلى ذلك كلهم مسلمهم وكافرهم ، وتعاقدوا وتعاهدوا عليه عند
الكعبة. إلا أبو لهب ، فإنه فارقهم، وكان مع قريش. فما كان من قريش إلا أن
تحالفوا على أنهم : لا يناكحون بني هاشم وبني المطلب ، ولا يبايعونهم ،
ولا يجالسونهم ، ولا يخالطونهم ، ولا يدخلون في بيوتهم ، ولا يقبلون منهم
صلحاً أبداً ، ولا تأخذهم بهم رأفه حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم للقتل. وكتبوا بذلك صحيفة علقوها في جوف الكعبة.

وانحاز
بعد ذلك بنو هاشم وبنو المطلب في شِعْبِ أبي طالب ، فَجُهِدَ القوم حتى
أكلوا أوراق الشجر ، والجلود ، وواصلوا الضر والفاقة ، حتى سُمِعَتْ أصوات
النساء والصبيان يتضاغون جوعاً. وعلى الرغم من كل هذا كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم مستمراً في دعوته إلى الله.

وبعد
ثلاث سنوات من المقاطعة ، قدر الله أن ينتهي هذا العدوان ، فأرسل
الأرْضَةَ ، فأكلت كل ما في الصحيفة ولم تترك إلا ذكر الله سبحانه وتعالى.
وجاء أبو طالب لقريش ليخبرهم بما فعل الله في صحيفتهم ، ثم قال : إن كان
محمد كاذباً خلينا بينكم وبينه ، وإن كان صادقاً رجعتم عن قطيعتنا وظلمنا.
قالوا: أنصفت ، فدخلوا الكعبة ليروا الصحيفة ، فوجدوها قد أكلتها الارضة
إلا "باسمك اللهم".
وبهذا انتهى الحصار وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الشعب.

شكرا علي الرد الجميل دة يامحمود

جزاك الله كل خير يعم جولدن